لم تكن شكوى معالي وزير الخارجية ضد إيران لأمين عام الأمم المتحدة خطوة فجائية، إذ جاءت في أعقاب خطوات ومواقف أخرى اتخذتها مملكة البحرين لوقف التدخلات والمهددات الأمنية الإيرانية للبحرين وعموم المنطقة، سبقها سحب السفير البحريني لدى طهران، وطرد السفير الإيراني في البحرين، وهي خطوة تسجيل موقف ضمن سلسلة من المواقف القوية التي باتت تتخذها البحرين في إطار الحرب غير المعلنة التي تشنها إيران تجاه الخليج العربي، فلطالما كانت البحرين سباقة في اتخاذ مواقف سيادية سياسية دبلوماسية جادة وهامة من أجل التعبير عن مواقفها بصور واضحة، وهو ما يرسخ لما نذهب إليه دائماً في أن قوة البلدان ومنعتها لا تقاس بحجم أراضيها وجغرافيتها ولا بعدد جيشها وعتادها وحسب، بل القوة الحقيقية تبدأ وتنطلق من قوة القيادة وصلابة الشعب.السفير الإيراني لطالما كان ضيفاً ثقيلاً على قلوب جميع البحرينيين، ووجوده في ظل التدخلات الإيرانية للبحرين لم يكن إلا وقاحة لا تملكها إلا دولة العمائم، إذ كان من الأجدر به أن يرحل قبل الطرد، لاسيما وأن البدائل متاحة وبوفرة!! فإنه وخلافاً لبقية الدول في العالم، فإن إيران لا تملك سفيراً واحداً في البحرين وحسب، بل هناك الكثير من السفراء من المقيمين والمواطنين البحرينيين، ممن دافعوا عن مواقفها وآزروها في موضوع سحب السفراء والذين استصغروا مواقف البحرين إزاء إيران، أولئك الذين كان ومازال لديهم من السجلات الطويلة، ما يبرهن ولاءهم المطلق لإيران وخدمتهم لها، وهو ما نلحظه جلياً في اعتماد إيران على مبعوثيها غير الرسميين الذين يقومون بالأدوار المنوطة بهم كما يجب وأكثر، من أفراد وجماعات ومنظمات أهلية.المميز في أمر إيران، أنه في الوقت الذي خسرت فيه جمهورها الداخلي من مواطنيها، نجحت مع موظفيها في الخليج العربي، بأن تزرع في قلوبهم الولاء المطلق لها، وهو ما يجعل التبعية الخالصة لتلك الجماعات ضرباً من تبعية القطيع، ففي الوقت الذي لا يمتلك الإيراني الحق في الاعتراض على سياسات دولته وقراراتها، يقدم الخونة في بلادنا أسمى آيات الولاء ويؤيدون تلك المواقف العدائية ويدعمونها باستمرار، ولذلك، فإنه كما طرد السفير الإيراني لابد أن يطرد هؤلاء السفراء غير الرسميين. كل ذنب وجرم في القوانين الدولية قد يغتفر في مرحلة ما، إلا الخيانة العظمى، فلطالما كانت عقوبتها تتراوح بين الإعدام وبين سحب الجنسية والاستبعاد من البلاد، وعلى البحرين أن تقرر أحد المصيرين لهؤلاء باعتبارهم متآمرين على أمن البلد وسلامته، لاسيما في الحالات التي نشهدها في البحرين والتي أصبح فيها إخلاص بعض الخونة البحرينيين لإيران أكثر من إخلاص الإيرانيين لبلدهم.اختلاج النبض:في وقت سابق استخدمت البرتغال وبريطانيا قواها السياسية والعسكرية لاستعمار دول الخليج العربي، والسيطرة على أراضيها، ولذلك حملت الشعوب تجاهها مشاعر بغيضة بصفتها مستعمراً، إيران لعبت بفن وانتهجت سياسة استحمار العقول والسيطرة عليها، فكسبت قلوب من أرادت في هذه البلاد، وجندتها لخدمتها شر تجنيد، ومن هنا انطلق «استحمار السفراء» في القاموس الدولي الجديد.