يترقب الشارع العربي والبحريني بحذر الخطوة اللاحقة لما بعد طرد القائم بالأعمال الإيراني وسحب السفير البحريني من طهران! فهل تلك الخطوة الاستباقية البحرينية ستنزع فتيل الأزمة المتصاعدة بين البلدين أم ستؤججها؟ وهل ستنجح البحرين في قطع مواصلات الإمدادات والدعم اللوجستي عن أتباع إيران وتحجيم دورهم بعد كشف وفضح دور القنوات الدبلوماسية؟ وهل ستعقب هذه الخطوة خطوات أخرى أكثر صرامة وستجد لها دعماً خليجياً وعربياً وتفهماً دولياً لما يحدث من تدخل سافر في استقرار أمن البحرين خصوصاً والخليج عموماً؟كل تلك الاستفهامات الكبيرة بحاجة إلى فك رموزها وربما الأيام المقبلة كفيلة بكشف الكثير مما يدور خلف الكواليس الدبلوماسية. لم تعد طهران تراعي أبسط القواعد الدبلوماسية في علاقتها مع أي دولة خليجية فضلاً عن تصريحاتها الاستفزازية بأنها باتت تحكم سيطرتها على أربع عواصم عربية.إن إيران وجيوبها وأذنابها هي من أوصل تلك العلاقة إلى الطريق المسدود، بعد أن نفد صبر المملكة قيادة وشعباً، بسبب التدخل السافر جهاراً، والتحريض على معاداة نظام الحكم، والتحول التدريجي في اختراق واستغلال وحرف المعارضة من صوت مرحب به ضمن الحريات التي كفلها الدستور ومسيرة جلالة الملك الإصلاحية، وتحولها إلى أعمال شغب وتخريب ثم الصدام المسلح والتحضير لمستويات خطيرة من العنف.وغدا كل مواطن ومقيم مرعوباً من هول كميات الأسلحة الضخمة والخلايا النشطة التي تتكشف خيوطها تباعاً، ويخشى أن يستيقظ يوماً وقد أحيط بمملكته من قبل تلك المجاميع وميليشياتهم وقد تخندقت من كل حدب وصوب، إلى فرض حالة الأمر الواقع كما فعل من قبل بصنعاء!لكن الغريب في الأمر أن أغلب حالات قطع العلاقات وطرد السفراء والتي تحدث كثيراً بين الدول تأتي عقب تصريح أو تلميح من السفير أو أحد أركان السفارة يهدد أمن تلك الدولة ويتدخل مدفوعاً في شأنها الداخلي أو ينتقص من سيادتها إلا مع الحالة الإيرانية فالأمر يختلف تماماً. فمن يتابع تصريحات القائم بالأعمال الإيراني في البحرين وحتى باقي دول المنطقة تراهم ملتزمين جانب الهدوء والصمت وقلة التصريحات وتجنب الظهور الإعلامي وتلك هي الطريقة الدبلوماسية الناعمة التي تتبعها طهران مع الدول التي ترسم الشباك حولها. فقد تم توزيع الأدوار بين الرأس والأطراف وعلى العكس من دول العالم وعملاً بمبدأ إبعاد الشبهة عن سفرائها فمن يتولى التصريح والتهديد والوعيد هي حكومة الملالي في قم، وتكون التصريحات بنبرات مختلفة وبمستويات متصاعدة في الحكومة، بدءاً من مشخصي النظام، وإلى أعلى القمة في الهرم.أما دور السفراء وطاقم السفارة فهو متابعة أي تصريح يطلق من طهران فتأتي معه الإشارة بالتحرك متناغماً مع ذلك التصريح والتصعيد فيتحركون بهدوء دون أن يتركوا لهم أي أثر. فعملهم يتلخص في متابعة مجاميعهم وعملائهم والوقوف على المعوقات التي تعترض عملهم وكل ذلك يجري عبر وكلاء متمرسين لتكون تلك السفارة أشبه بغرفة عمليات يتم التحكم منها عن بعد في ضبط حركة المجاميع والأفراد وتأمين تمويلهم وتدريبهم وتسليحهم وتوزيع مهامهم.وربما ما تم اكتشافه مؤخراً من مخازن وأسلحة متطورة ومواد شديدة الانفجار في إحدى قرى البحرين هي كالقشة التي قصمت ظهر البعير وهي التي أخرجت الدبلوماسية البحرينية المتزنة عن طورها وتحولها المفاجئ من دور المدافع الذي أتقنته لعقود في إدارة العلاقات المتوترة إلى دور أقرب منه للامتعاض والاستنكار.فأمام تلك الحالة أصبحت الخيارات أمام صناع القرار في البلدين ضيقة والتعامل معها يتم بحذر شديد:فالخيار الأول: هو انتظار ردة فعل الجانب الإيراني فهل سيعيد النظر في تعاطيه مع الملف البحريني ويكف أذاه ويوقف دعمه للمجاميع التي ارتضت لنفسها الارتماء في عباءة الولي الفقيه، وهذا على أغلب الظن مستبعد مع ما هو معروف من تعنت وصلف إيراني ومتقاطع تماماً مع أطماعها التوسعية ومشروعها الثوري.أما الخيار الثاني: فهو مضي المملكة قدماً في مراقبة نتائج تلك الخطوة فإن لوحظ في تصرف الجانب الإيراني تصرف متكابر غير آبه بالأعراف الدبلوماسية فربما ستعمد طهران بالإيعاز إلى مجاميعها الإرهابية بنهج خط هجومي لخلط الأوراق وبث الفوضى، مما سيتبعها خطوات تصعيدية من الجانب البحريني، بغلق السفارة وطرد كل كوادرها، وتشكيل غرفة عمليات خليجية وإعلان حالة الطوارئ ونسأل الله ألا تصل الأمور لهذا الحد.أما الاحتمال الأخير: والذي ارجحه كمحلل سياسي ومتابع للشأن الإيراني فهو، أن ايران أذكى من أن تفتح لها جبهة جديدة فستلجأ ربما كعادتها إلى مبدأ «التقية» وستستبدل دبلوماسيها بآخر أكثر دهاءً وحنكة مع تجميد الأنشطة مؤقتاً حتى تأتي الفرصة المواتية وستستعين بدخول بعض الدول لاحتواء الموقف وسيسوى الأمر لكن لن تغفل إيران عن هدفها، وعينها ستبقى مفتوحة، لا يغمض لها جفن عن البحرين.وتماشياً مع كل تلك الاحتمالات يتوجب على البحرين هذه المرة وفي ضوء المتغيرات المتسارعة وبما أنها هي صاحبة الخطوة الاستباقية أن تدعم موقفها وتشكل لها درعاً دبلوماسياً حصيناً وأوراق ضغط وهي التي معروف عن قيادتها الحكمة والعمق السياسي بأن تنقل ملفها فوراً ومدعماً بالأدلة إلى أروقة مجلس الأمن والانفتاح على كافة الأصعدة والتحرك الحثيث على صناع القرار.ثم بات من الضروري تفعيل المقاطعة الاقتصادية وتجفيف مصادر التمويل وقطع شريان الإمداد للمجاميع المسلحة.وأخيراً، البدء بالتوعية الجماهيرية، ورص الصفوف وإقرار لوائح وقوانين رادعة في التعامل مع الإرهاب والإرهابيين، ووضع قانون الطوارئ على المنضدة لقطع الطريق على الخونة والمندسين وتجميدهم ثم الالتفاف عليهم، حفظ الله لنا بحريننا من كيد الغادرين وأطماع الغابرين.
Opinion
سيناريوهات العلاقة مع إيران بعد طرد القائم بالأعمال
05 أكتوبر 2015