بودي أن أرى وزراء يخضعون لدورات في التخطيط الاستراتيجي وفن التعامل في الأزمات، وهي عناوين نحتاجهاحينما أدقق في عمليات التدريب والتطوير التي تقوم بها الدولة، وأتمعن في عملية التأهيل وإكساب المهارات وتدريس العلوم الإدارية، أجدني أتوقف عند سؤال مهم: هل التطوير والتدريب يجب أن يكون مقتصراً على الموظفين بمختلف وظائفهم وتدرجاتهم فقط، دون أن يشمل أصحاب المناصب العليا كالوزراء والوكلاء؟!لدينا برامج تدريبية عديدة في البحرين، معتمدة من الدولة ومن ديوان الخدمة المدنية، وكثير منها مرتبط بالتطور الوظيفي والتدرج لدى الموظفين، لدرجة أننا اليوم لا يمكن «نظرياً» ترقية رئيس قسم إلى مدير دون أن يخوض برنامجاً معيناً، أو تأهيل مدير إلى وكيل مساعد دون أن يخوض برنامجاً آخر. طبعاً باستثناء حالات لا يدخل فيها بعض الموظفين الدورات المطلوبة والمفروضة نتيجة «عناد» وزير هنا أو «عنترية» مسؤول هناك. ليس هذا موضوعنا فديوان الخدمة المدنية «أبخص» بالحالات التي تنطبق عليها هذه التوصيفات، لكن حديثي عن «موظفي» الخطوط الأولى، ونعني بهم الوزراء والوكلاء، إذ هذه الشريحة ليست «منزهة» أو «مستثناة»، عن بقية الموظفين، إذ هم موظفون أيضاً في خدمة الوطن والمواطن، بل عليهم مسؤولية أكبر من الموظفين الآخرين، كونهم صناع السياسات وهم قادة العمل، وهم من يقيم ويحاسب ويتابع. هؤلاء، هل سمعتم يوماً عن إخضاعهم لبرنامج تدريبي معين؟! هل شكلت لهم برامج تدريبية تركز على جوانب معينة؟! أو دورات تطور فيهم مهارات مطلوبة مثل التخطيط الاستراتيجي، أو فن الإدارة الصحيحة الاحترافية، أو التعامل مع الأزمات أو غيرها من العناوين والمضامين؟!لست أتحدث عن برامج أساسية يخضع لها بعض الوزراء إذ هي تلقائياً موجودة، لست أتحدث عن برامج تعرفهم بـ»البروتوكول» أو «المراسم» وأين يضع الشوكة أو الملعقة، بل أتحدث عن برامج علمية تنمي لديهم مهارات قيادية مطلوبة، وتكسبهم مهارات في التخطيط وفي التعامل مع الإعلام وفي الإدارة الصحيحة للموظفين، وحتى في التخطيط المالي. لدينا مسؤولون رفيعو المستوى يديرون قطاعات فيها من الموظفين أعداد متفاوتة، لكن ليس لديهم أية مهارات إدارية، أو أقلها طرق إدارية علمية مبنية على أسس صحيحة، بل كثير منهم يتعامل بمفهوم «البركة» في الإدارة، حسب طبيعته ووفق اجتهاده، والقليل جداً الذين يحرصون على أن يكون عملهم مبرمجاً على أسس علمية وهذا لا يتأتى إلا بالدراسة والاطلاع والعلم الذي يتوافر في برامج تدريبية معينة ودورات تخصصية. بودي أن أسمع يوماً عن برنامج تدريبي تقيمه الدولة للوزراء معني بفنون ومهارات «الإدارة الاحترافية»، وهي برامج نحتاج لها بشدة، والدليل كميات الإحباط الكبير لدى شرائح كبيرة من الموظفين في وزارات عديدة بسبب أن الوزير هذا أو ذاك لا يعرف عن «الإدارة الصحيحة» إلا اسمها. بودي أن أرى وزراء يخضعون لدورات في التخطيط الاستراتيجي، وفن التعامل في الأزمات، وهي عناوين نحتاجها، لأن كثيراً من التخبطات وحالات الفشل سببها عدم وجود خطط استراتيجية ناجعة لأنه توجد خطة يريدها الوزير ووضعها تفكيره وتدبيره وتقديره، وفي العنوان الآخر، ليست لدينا أسس علمية صحيحة لإدارة الأزمات واحتواء المشكلات، والدليل أن أزماتنا تستمر لردح من الزمن، وتتفاقم كونها لا تعالج، وإن قدم علاج، فإما أن يكون «ترقيعياً» أو «مخدراً موضعياً». ولماذا هذا كله؟! ببساطة لأن من لا يملك العلاج لا يمكنه توصيفه. عموماً البعض كالعادة سيستغرب ويقول ليست عملية التخطيط المالي من اختصاصات الوزير مثلاً، أو التخطيط الإداري، بل هناك وكلاء ومديرون هذه مهامهم. والرد بأن هذا «نظرياً» صحيح، لكن «واقعياً» يصبح «خيالات» لأن لدينا اليوم وزراء يتدخلون في كل شيء، هو المخطط الاستراتيجي، هو الخبير المالي، هو المهندس الإداري، هو مقيم الموارد البشرية، هو الذي يوقع على الإجازات حتى لو كانت لأصغر موظف رتبة، هو الموافق على الفواتير حتى لو كانت لـ»شاي» المكتب. ثقافة «التفويض» الإداري مفقودة. لكنني أكتب ما أكتب لسبب ملموس، يتمثل بأن غالبية موظفي الدولة يخضعون للتدريب والتطوير، بينما الصف القيادي الأول لا يخضع، وللأسف من يتم تدريبهم وتطويرهم ينبغي أن يتم استثمارهم من قياديي الصف الأول «الذين لا يتدربون ولا يخضعون لبرامج»، وعليه فإن المحصلة الغالبة تتمثل بإحباط من تدرب وتطور، بدلاً من تمكينهم وتفويضهم وتطويرهم. ولماذا هذا يحصل؟! لأن بعض قادة القرار في القطاعات ليس لهم في الإدارة، ولا دخلوا برامج ودورات ليتعرفوا على معانيها ومضامينها وممارساتها. هذه مسألة يجب الالتفات لها بشكل جدي، إذ لا يعقل أن يفتقر الوزير مثلاً لأبسط أساسيات الإدارة، بينما مديرون ورؤساء يعملون تحت مسؤوليته خضعوا لدورات وبرامج بعضها متقدم في الإدارة، والأخطر أن ما تعلموه لا يمكنهم تطبيقه ولا يسمح لهم بتفعيله. دربوا الوزراء رجاء، فبعضهم «وليس كلهم» يحتاج إلى دورات في كثير من الجوانب، حاله كحال بقية الموظفين. في النهاية نحن بشر، نتعلم كل يوم ومن أي كان، ومن يتكبر على العلم والتدريب لا رجاء منه في مجال التطوير. وطلب العلم كما يعرف كثير من معالي وسعادة الوزراء «من المهد إلى اللحد»، ودعي لطلبه وإن كان «في الصين».