جاء خطاب جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله أمس الأول في افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الرابع لمجلسي النواب والشورى بنقاط مهمة وطيبة، وتسلط الضوء على قضايا الساعة محلياً، وإقليمياً، كما لم يفت على جلالته الإشادة والتقدير لجنودنا البواسل في ساحة المعركة في اليمن.ليس هذا وحسب، بل إن جلالته أمر أبناءه سمو الشيخ ناصر وسمو الشيخ خالد بالذهاب إلى أرض المعركة، وخوض المعارك جنباً إلى جنب مع بقية الجنود البحرينيين أو السعوديين أو الإماراتيين أو اليمنيين، وهذا الأمر يظهر شجاعة جلالته في أن يجعل الأبناء يتقدمون الصفوف، ويظهر شجاعة وإقدام سمو الشيخ ناصر وسمو الشيخ خالد حفظهما الله.تخصيص يوم السابع عشر من ديسمبر يوماً لتخليد ذكرى شهداء الوطن جاء كضربة معلم من الرجل الأول، خاصة في اختيار اليوم والتاريخ، ولذلك أبعاد ودلالات، ومغازٍ كثيرة يفهمها من يفهمها، ويجهلها من يجهلها.دعا جلالة الملك في خطابه إلى عمل عربي جماعي لإغاثة اللاجئين العرب في مناطق الصراعات، وهذه الدعوة الكريمة تظهر القيم الإنسانية والبعد العربي والقومي والإنساني عند جلالة الملك، جميعنا تأثرنا بمناظر غرق إخواننا وأخواتنا العرب في البحر الأبيض المتوسط، بين تركيا واليونان، وهذه الدعوة من جلالته تظهر القيم المثلى عند جلالة الملك الذي دائماً ما يكون له موقف من قضايانا العربية والإسلامية، وأولها القضية الفلسطينية، قضية العرب والمسلمين الأولى، التي لا ينساها جلالته في جل خطاباته.جاء في الخطاب أيضاً تأكيد جلالته على أن المواطن يشكل أولوية، وأن التنمية مستمرة رغم التحديات الاقتصادية، وأن ما تمر به المنطقة من تطورات متسارعة خاصة على الصعيد الاقتصادي دفع إلى اتخاذ إجراءات دمج بعض الوزارات والهيئات للتعامل مع متطلبات دعم الميزانية وتخفيف الأعباء المالية التي تتحملها الدولة.وأعتقد هنا أن على الدولة أن تضع موضوع زيادة مداخيل وإيرادات الدولة نصب عينها، هذا الملف مهم جداً وينبغي أن توضع الدراسات والتصورات التي تساهم في رفع مداخيل الدولة حتى تصل إلى رقم مقبول، دون أن يلقي ذلك بظلاله على المواطن وتحميله نفقات إضافية.كما أمر جلالته في خطابه السامي وزارة التربية والتعليم بتوثيق مهام ومشاركات جنودنا البواسل، وجهود وزارة الداخلية الإنسانية، وتدريسها ضمن مناهج وزارة التربية والتعليم، وتطوير مضمون المناهج الدراسية المعززة للولاء والانتماء الوطني.وهذا أمر مهم وهو توثيق مشاركات جنود البحرين في مساندة الشرعية سواء كانت في الكويت الحبيبة في عام 1990، أو من خلال المشاركة في أفغانستان، أو من خلال المشاركة الأخيرة في تحرير اليمن مع بقية الأشقاء.موضوع المناهج المعززة للولاء والانتماء الوطني يحتاج إلى لغة حديثة وذكية ويستطيع الطالب تقبلها وفهمها بشكل ممتاز، فهذا الموضوع لا يمكن أن يضعه شخص منفصل عن البحرين، أو أن نأخذ مناهج من دولة أخرى ونضعها لطلبة البحرين، هذا الأمر لن ينجح، بل يجب أن يضع هذه المناهج مواطن بحريني حقيقي يعرف كيف يرسل المعلومة بطريقة ذكية تصل إلى قلب وعقل الطالب، ويعرف كل الذي مرت به البحرين من منعطفات.الأمر الآخر أجد أنه بذات الأهمية، وهو أن يكون من يدرس هذه المناهج مواطناً بحرينياً مخلصاً يحب وطنه، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولا يمكن أن أجعل من يفتقد للمواطنة والانتماء الوطني هو نفسه من يدرس مادة مهمة مثل الانتماء والولاء الوطني.إغفال الأداة التي ستقوم بتوصيل المعلومة للطلبة سوف يجعل المنهج لا قيمة له، فمن نريد منه تعليم الطلبة الانتماء والولاء الوطني ربما هو نفسه يفتقده داخل وخارج المدرسة، وقبل ذلك يفتقده في قناعاته الشخصية.أشار جلالة الملك في خطابه كذلك إلى المستقبل الذي نريده لنا ولأجيالنا المقبلة، من واقع ما نختاره نحن لأنفسنا، وليس ما يريده لنا الآخرون ويسعون لفرضه من خلال الإرهاب والإجرام.وهذه لفتة طيبة من جلالته، وهنا تظهر سياسة الدولة المستقبلية، وأن الإرهاب لن يعيق المسيرة، ولن يكون هو المتحكم في مستقبلنا، بل إن الدولة هي التي تفرض ما تريد، وهي التي تقرر المستقبل الذي تريد.الإرهاب هو التحدي الأكبر أمام البحرين، وأمام التنمية، وأمام الاقتصاد، وأمام المجتمع البحريني، وأمام معيشة الناس، من هنا فإن إشارة جلالة الملك إلى أن مستقبل الأجيال نختاره نحن، ولا يفرضه علينا الآخرون بالإرهاب والإجرام، تعبر عن إشارة جميلة وواقعية، وفيها رسائل لمن يقف ويتبنى الإرهاب كنهج لتقويض أمن البلاد.موضوع الإرهاب لا ينبغي أن يغيب للحظة عن سياسات وخطط الدولة، الإرهاب لم ينتهي، ومازال يضرب ويختبئ، وينبغي الوصول إليه في مناطقه، والضرب على الخلايا النائمة بيد من حديد، ويكفي ما راح من شهداء من رجال أمننا جراء هذا الإرهاب، من هنا كانت إشارة جلالة الملك في مكانها، وهذا ما يريد المواطن أن يسمعه من الرجل الأول في البحرين.حفظ الله البحرين وأهلها، وقيادتها الممثلة في جلالة الملك، وسمو رئيس الوزراء، وسمو ولي العهد، حفظهم الله جميعاً وأعانهم على تحمل المسؤولية الوطنية الكبيرة تجاه شعبهم ووطنهم.