أتابع بإمعان ومنذ فترة، الدور الذي يقوم به مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، فأجد أنني أقف أمام «مخزن» مرموق للدراسات والبحوث التي يمكن للبحرين الاستفادة منها على كثير من الأصعدة، خاصة تلك المعنية بالدفاع عن بلدنا على المستوى الخارجي. البحرين كانت ومازالت مستهدفة على الصعيد الخارجي من خلال وسائل إعلام عديدة، بعضها يعمل بأسلوب ممنهج وبنوايا مقصودة هدفها تشويه صورة البحرين وقلب الحقائق المعنية بها، وهذا بسعي لتشكيل رأي عام دولي خاطئ تماماً. إذ تخيلوا مازالت بعض المجتمعات الغربية لا تعرف أن في البحرين مشروعاً إصلاحياً بدأ منذ أكثر من عقد، وأن سقف الحريات ارتفع، وأعيدت الحياة البرلمانية وتحققت مكاسب عديدة. في حين هناك وسائل إعلامية تنقل ما يصلها من مصادر معينة ومما هو متوفر من معلومات باتت المغالطات و»الفبركات» هي المرجعية فيها.في جانب آخر، هناك استهداف واضح من قبل مؤسسات مدنية غير حكومية تعمل تحت عناوين مثل حقوق الإنسان والحريات ودعم المجتمع المدني، غالبيتها تتحرك بناء على معلومات مغلوطة، وحتى حينما تتكشف لها الحقيقة، إثر حراك معاكس قائم على رد الفعل وللأسف، فإنها تواصل التسليم بما لديها دون التصحيح أو حتى الاعتذار. المركز من خلال اطلاعنا على نشاطه وتقاريره وندواته، يقدم مادة غنية موثقة بالشواهد والأرقام والإحصائيات التي يمكن أن تفيد كل باحث أو إعلامي أو مؤسسات مدنية وحتى الأفراد، في إطار السعي للدفاع عن الوطن، بأساليب علمية رصينة وبطرق عقلانية متوازنة، تعتمد على قوة الحجة والمنطق، باستخدام الشواهد والدلائل، وحتى الرصد التاريخي. في فن الردود والمناظرات على مختلف المستويات وبالأخص على المستوى الخارجي، لا يمكنك أن تكسب نقاشاً حينما يطغى على طرحك الانفعال أو يكون كلامك مشوباً بالعاطفة. من يكسب هنا هو مستخدم لغة المنطق، والمقنع كلامه ببنائه على الشواهد والقرائن والدلائل. ولذلك فإن الاستعانة بجهود المركز وإصداراته وندواته المنعقدة بشكل دوري، والتي تتطرق لأحداث الساعة والمستجدات على الساحة المحلية والإقليمية والدولية أمر مطلوب، خاصة في ظل وجود المركز كخدمة متميزة للباحثين والدارسين والراغبين في تطوير رصيدهم المعلوماتي، والاطلاع أكثر على تفاصيل الأمور بشكلها الدقيق، وما يرتبط بها من معلومات محدودة الانتشار أو تحليلات متعمقة. لا يدرك أهمية كلامنا سوى من تعب في البحث عن المعلومات الدقيقة وأضناه البحث، ومن أراد أن يدافع عن البحرين بالمعلومات والحجج والبراهين والمنطق فعجز عن الوصول لمادة تدعم كلامه وعرضه. الغرب لا يفهم بل لا يعترف بلغة العواطف، استيعاب الغرب مبني على معادلات ثابتة ودقيقة، مبني على أسباب ومسببات، وعلى حقائق دامغة، لذلك فإن محاولة إقناع الغرب بأساليب طاغية في داخلنا المحلي الضيق تنهج أسلوب الارتجال والانفعال محاولة عبثية لا طائل منها. اليوم البحرين بحاجة لمتحدثين أقوياء، لمناظرين متخصصين في مجالهم، يبنون حراكهم وكلامهم على أسس علمية وعلى مهارات متقدمة في المناظرة والنقاش والإقناع السياسي والدبلوماسي، وكل هذا لا يتحقق دون إعداد صحيح وجهد يبذل لصقل المهارات، إذ لا شيء ينجح إن تم الاعتماد على سيره بمفهوم «البركة».نتمنى أن تنشر تقارير المركز بشكل أوسع، وأن يعقد مزيد من الندوات والمحاضرات التي تقدم المادة المفيدة الدسمة بمعلوماتها وتحليلاتها ليستفيد منها حتى رجل الشارع البسيط. المركز يقوم بدور محلي مهم أيضاً يتمثل في استقراء مزاج الشارع ومعرفة اتجاهاته، وهذه مسألة تكاد تكون غير معروفة للكثيرين، بالتالي مهم أيضاً أن يتواصل الناس معهم ليبدوا آراءهم ويعبروا عن مواقفهم تجاه القضايا المختلفة، حتى توثق هذه المواقف في تقاريرهم المسحية التي يمكن رفعها للقيادة ومسؤولي الدولة وتسهم في توصيل نبض الشارع لهم. مثل هذه المراكز تعتبر عصباً مهماً للدول الغربية، مصطلح الـ»Think Tank» يعرفه الأمريكان تماماً، ويفهمون ما يمكنه أن يفيدهم به على صعيد رسم السياسات وفهم أكثر للشارع، إضافة لدوره في توعية الناس والتفاعل معهم. وعليه، لا تجعلوا عمل مثل هذه المراكز يمر بطريقة هادئة، وبأسلوب تعاط يطغى عليه عدم الاهتمام، بل اهتموا بهم واستفيدوا منهم، أقلها هذا قطاع ينتج فكراً وفق أسس علمية وفكرية متقدمة حري الاستفادة من نتاجه وتطويعه لخدمة البحرين ولصناعة جيل قوي يعرف الطرق الصحيحة الناجعة التي يدافع بها عن بلده بقوة الحجة والمنطق لا بالانفعال والعواطف التي لا يلقي لها الغرب بالاً.