هنالك عدد كبير من الآيات الكريمة في القرآن المجيد تدعو وتحث على التفكير والتدبر والسعي لاتخاذ الموقف، بعد تدقيق وتأن ورؤية، وليس على عجالة وتسرع وانفعال وتأثر بعوامل لا علاقة لها بأصل القضية والموضوع، ويكفي هنا أن نشير إلى أن القرآن الكريم قد نهى عن المضي على نهج وسبل الأولين، من دون تدبر في النهج والسبيل، قال الله تعالى «بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون»، ذلك أن هذا النص القرآني صريح وواضح أشد الوضوح في رفض الإسلام للموقف الإلقائي الوراثي الببغائي، بل يطالب ويحث ويصر على الموقف المنطقي والعقلاني الصائب، وإننا وفي ضوء هذا المنطلق القرآني الثاقب، نجد أنه من المفيد انتهاج منطق استقرائي أكثر دقة وقرباً والتصاقاً بالقرآن الكريم، ومبادئه السمحة في التعامل مع الكثير من الأمور والقضايا المهمة والحساسة والتي من ضمنها قضية الإمام الحسين «ع»، والسعي للخروج برؤية تبتعد عن التوريث والإلقاء والتشنج العاطفي.«نوم على يقين، خير من صلاة في شك»، قول مأثور ومفعم بالمعاني والمقاصد البليغة، للإمام علي أبن أبي طالب «ع»، هنالك أكثر من سبب يدعونا للتعمق في هذا القول، خصوصاً وأن الإمام علي وكما أخبر عنه الرسول الأكرم «ص» في الحديث الشريف: «علي مع القرآن والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة»، أو كما وصف نفسه في معركة «صفين»: «أنا القرآن الناطق»، فإن العبرة والمعنى الأهم الذي يمكن أن نستشفه ونستخلصه من القول المأثور له، هو الدعوة لاتخاذ الموقف في ظل العقل والمنطق، وإن قضية الحسين التي تعتبر قضية تهم كل مسلم سواء كان شيعياً أو سنياً بل حتى إنها أوسع من ذلك لكونها قضية ذات بعد وجذور إنسانية، لما في قضيته من معان ومثل وقيم إنسانية فاضلة ونبيلة، في ضوء ما قد أسلفنا، وفي ضوء ركام إرث العصور المختلفة، وفي ظل أجواء الضباب والتوتر والتخندق الطائفي لعصرنا هذا، نحن بحاجة ماسة لموقف موضوعي نوعي، بما يخدم أصل القضية وليس أن يجعلها «وسيلة لتبرير غاية ما».لا نعتقد أن المهم في قضية الحسين التراكم الإرثي والتاريخي، الذي فيه الكثير من التناحر والتجاذب وما إليه، ولا نرى -كما أكدنا مراراً و تكراراً- أبداً أن الحسين خاص بطائفة أو مذهب من مذاهب الإسلام، وإنما هو ملك للسني مثلما هو ملك للشيعي، وإنه وقبل كليهما ملك للإنسانية بمعناها الواسع، وإن الحسين كقضية هو انتصار للحق والقيم الإنسانية وهو يهدف في النهاية للسلام والأمن والطمأنينة للأمة الإسلامية وللإنسانية جمعاء، ذلك أن الحسين لم يخرج «أشراً ولا بطراً»، وإنما خرج طلباً للإصلاح في أمة جده «ص»، وهذا لا يعني بالضرورة أن تكون قضية الحسين دعوة للانتقام والدم والتوتر والعبث بالسلام والأمن والاستقرار، فذلك ما يخالف النهج والسبيل الذي دعا إليه المولى سبحانه وتعالى في قوله تعالى «لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، وحاشا لريحانة رسول الله «ص»، أن يكون أداة ووسيلة لزرع ونشر أسباب الفوضى والمجاعة والخوف والرعب، بل يمكننا القول إن الحسين هو دعوة للتفكير والتأمل ومدرسة للتدبر تؤكد أن الإسلام فضاء فكري واسع لا يمكن أن تحتكره جماعة أو طائفة أو حزب فهو جاء للعالمين وليس لطائفة أو ملة أبداً، وأن الحسين أعلم من المتاجرين بقضيته من هذه الناحية.ومن هنا، فإن الدعوات التحريضية والانعزالية والمغرقة في ظلام وتيه الحس الطائفي المقيت والتي دعا إليها الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله مؤخراً، هي دعوات وتوصيات خرجت وانحرفت تماماً عن أهداف ومقاصد مناسبة عاشوراء، ولاسيما وأن ما قد دعا إليه يمهد السبيل للتفرقة والاختلاف والانقسام والحقد والضغينة في وقت نجد أمتنا أحوج ما تكون للوحدة والتآلف ورص الصفوف، ولو كان الحسين اليوم بين ظهرانينا فإنه كان سيجمعنا كلنا على درب وصراط واحد وليس «وحاشاه ذلك» أن يتحزب أو يتخندق مع طائفة أو حزب أو دولة ما.نحن في هذه السنة، وفي ظل وضوء الأحداث والتطورات والمستجدات المتسارعة، بحاجة كي يكون خطاب عاشوراء الإمام الحسين «ع»، هو خطاب يدعو للتسامح والمحبة والأخوة والتآلف، خطاب يجمع الأمة ويوجهها بما يجعلها على خط ونهج واحد ثابت، خطاب يوضح للعالم كله أن الإسلام الأصيل هو الإسلام الذي يحمل قيم السلام والمحبة والرحمة والعدل والمساواة، وحري بنا أن نبتعد عن خطاب الكراهية والتحريض وإثارة الخلافات الطائفية.* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان
Opinion
دعوة الحسين تسامح وخير ومحبة.. ودعوة نصرالله كره وشر وعنف
14 أكتوبر 2015