بين أولئك الذين يبذلون جهداً كبيراً في شحن العامة في الداخل ضد السلطة، وهم مقيمون في الخارج، وعيالهم في أمان، وأولئك الذين يعملون في الداخل على تأليب العامة ضد السلطة باستغلال كل ما يمكنهم استغلاله، بين أولئك وأولئك يجد العامة الذين ينتظرون موسم عاشوراء أنفسهم في حيرة تحرمهم من ممارسة حقهم ورغبتهم بالكيفية التي يتمنونها وتعودوا عليها. بعض هؤلاء يدرك أن أولئك يتخذونهم مطية ويستغلون موسم عاشوراء لخدمة أغراضهم السياسية، وبعضهم لا يدرك هذا الأمر، لكن النتيجة هي أنهم جميعاً يحرمون من التعبير عن أنفسهم بالشكل الذي يودون التعبير به ويريحهم.منذ أيام يمارس بعض أولئك المقيمين في الخارج تحريضهم العامة على رفع الرايات واللافتات في كل مكان، ومن دون أي اعتبار لأي شيء، بينما يدفع بعض أولئك المقيمين في الداخل العامة إلى الإصرار على أن كل الأمور يجب أن تكون في يدهم خلال موسم عاشوراء، والتصرف وكأن البلاد تخلو من أي قانون ومن كل سلطة. ما قيل عن إقدام رجال الأمن على إزالة مظاهر عاشوراء من بعض القرى يصب في هذا الاتجاه، وباختصار فإن رجال الأمن لا يتعاملون إلا مع المخالفات، أما غيرها فلا علاقة لهم بها. بمعنى أنه لولا أنهم وجدوا ما يخالف القانون لما أتعبوا أنفسهم بإزالة تلك المظاهر بدليل أن تلك المظاهر متوفرة في أماكن كثيرة ولا يقومون بإزالتها، فلو كانت ممنوعة لأزالوها كلها ومن كل الأمكنة.القصة إذن باتت مكشوفة وملخصها افتعال المشكلات بغية تأليب العامة على السلطة، والدخول في مواجهات مع المعنيين بضبط الأمن، بغية القول إن «السلطة تحارب عاشوراء، ولا تراعي الأمور ذات العلاقة بالدين وبالمذهب»، حيث يكفي هنا التقاط بعض الصور ونشرها عبر الفضائيات السوسة ومواقع التواصل الاجتماعي لترويج هذه الفكرة وتلقيمها للمنظمات الحقوقية الدولية التي لن تكذب الخبر ولن تتأخر عن الركض به للقول إن حقوق الإنسان في هذه البلاد غير مصانة. يفعلون كل هذا من دون أي اعتبار إلى نتاج أفعالهم، والمتمثل في حرمان من ينتظرون هذا الموسم ليعيشوه كما كانوا يعيشونه من قبل.عاشوراء ليس للسياسة، وعلى من يسعون إلى تسييسه أن ينتبهوا إلى أن الذين يعظمون هذا الموسم يمكن أن يتخذوا منهم موقفاً ويرفضونهم إن تبين لهم أنهم يستغلونه لتحقيق أمور دنيوية لا علاقة لها بعاشوراء، والسبب هو أن هؤلاء يبحثون عن الأجر والثواب وينظرون إلى الآخرة لا إلى الدنيا ولا إلى المكاسب السياسية التي لا تعنيهم كثيراً أو قد لا تعنيهم بالمرة.استغلال أولئك لموسم عاشوراء لتحقيق أغراض سياسية يعني بصورة أو بأخرى استغلال الذين يعظمون هذا الموسم لخدمتهم وخدمة أهدافهم واتخاذهم مطية يركبونها، وفي هذا ظلم كبير لهم وإساءة للمذهب وللمعتقد، يفترض ألا يقبل به من هم على معرفة بهذه الأغراض ورجال الدين على وجه الخصوص، فالربط بين قضية الإمام الحسين عليه السلام وما يجري في البلاد من أحداث وتطورات ربط خاطئ المراد منه واضح وينبغي أن يرفض ويوضع له حد.إقحام السياسة في عاشوراء ربما يجد هوى لدى البعض، ويوجد حالة من الارتياح لدى بعض آخر، لكنه في النهاية يسيء إليهم جميعاً لأنه يقلل من شأن المناسبة وأهميتها، فيسيء إليها وإلى رموزها.وكما أن تسييس موسم عاشوراء خطأ، كذلك فإن السكوت عن هذا الفعل خطأ أيضاً، لأنه يتحول مع الوقت إلى حق مكتسب فتأتي الأعوام التالية بكثير من الضرر على الموسم ومن يعنيهم هذا الموسم. لدى السياسيين العام بأكمله ليسرحوا فيه ويعبروا عن أنفسهم بطريقتهم، فليتركوا المعزين في شأنهم.