لم تكن انتفاضة الأقصى الأخيرة مستبعدة، بل كان الغريب في الأمر أنها قد تأخرت كثيراً، فالأوضاع المقلقة في الداخل الفلسطيني وصلت إلى مرحلة الانهيار، فانفجرت بقوة في وجه الصهاينة الغزاة، لتعلن ولادة «انتفاضة السكاكين» الحادة.لم يكن بود الفلسطينيين أن يستخدموا السكاكين ولا الدهس، لإعلان ثورتهم ضد الظلم والتهميش، لكنهم شعروا أنهم على هامش هذا العالم المشحون بالغفلة عن قضيتهم، فكان الطعن خيارهم الوحيد من أجل أن يلتفت إليهم الرأي العام العالمي، فكان لهم ما أرادوا.لا يمكن أن يقود «ثورة السكاكين» إلا شباب يافع أو متعلم، خصوصاً إذا علموا أنهم سوف يقتلون حتماً جراء هذا الخيار الصعب، لكنهم آثروا هذا الأسلوب في مقابل فشل «كامب ديفيد» و»أوسلو»، وكل معاهدات السلام الأخرى، وكذلك فشل النظام العربي والدولي في تخليصهم من ربقة الصهاينة التي أحكمت قبضتها على مصير هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم، فجاءت انتفاضتهم تعبيراً عن غضبهم من كل العرب والمسلمين والمنظمات الدولية الأخرى، وعلى رأسهم مجلس الأمن وجامعة الدول العربية. «انتفاضة السكاكين»، أحرجت «حماس» و»فتح» وكل الفصائل الفلسطينية التي تتاجر بالقضية الفلسطينية في كل محفل، كما عرَّت انتفاضة شباب القدس وفتيان «الإنترنت»، حكومة نتنياهو وزمرته فقطعوا الشرايين الحيوية للاقتصاد الإسرائيلي بانتفاضتهم، وبسبب سكاكينهم الثائرة والحادة، تكبد العدو الإسرائيلي خسائر فادحة في قطاع الخدمات واستنزفت السياحة الإسرائيلية، مما أرغم تل أبيب على تسليح المستوطنين الغزاة، ورفع حالة التأهب القصوى في الصفوف الأمنية للقوات الصهيونية.كان للفلسطينيين ما أرادوا، فكل وسائل الإعلام في العالم تتكلم عن هذه الانتفاضة المباركة، وها هي صحيفة «لو جورنال دي ديمونش» الفرنسية تنشر تقريراً حول عجز الاحتلال الإسرائيلي، أمام تنامي ظاهرة الهجمات بالسكاكين، التي ينفذها فلسطينيون ضد المستوطنين، حيث تم إحصاء ستة من هذه الهجمات في القدس خلال أيام، إضافة إلى نحو 10 هجمات أخرى في عموم الضفة الغربية، والأراضي المحتلة عام 1948، ما تسبب في مقتل اثنين من الإسرائيليين مع جرح سبعة آخرين، وهو ما جعل البعض يتحدث عن انتفاضة ثالثة أو «انتفاضة السكاكين»، ناهيك عن بقية صحف العالم التي تعاطفت بشكل غير مباشر مع شباب القدس. يجب على العرب أن يسجلوا موقفاً للتاريخ، وذلك بالوقوف مع الشباب الأعزل الثائر في القدس المحتلة، ودعم شرعية انتفاضتهم المباركة ضد العدو الإسرائيلي، فلا يمكن أن تصدِّر إسرائيل خرابها المسمى بـ»الربيع العربي» لكل أنحاء العالمين «العربي والإسلامي»، بينما هي تنعم في أمن وأمان واستقرار، ولهذا يجب أن تشرب من ذات الكأس الذي أذاقتنا منه علقمها المر منذ ما يقارب خمسة أعوام، فإذا عجزنا عن نصرة الفلسطيني داخل القدس عملياً، فإننا سنكون نقطة سوداء في جبين تاريخنا العربي غير المشرف أصلاً، وإذا لم ننتصر لأحبتنا في فلسطين، فإنهم سوف ينتصرون لأنفسهم ولنا أيضاً، لأن إيمانهم بقضيتهم أكبر بكثير مما تتصورون. إنهم صناع المجد وقادة المستقبل.
Opinion
الانتفاضة الفلسطينية «الحادة»
17 أكتوبر 2015