للأسف بعد سنوات من العمل المتوازي في سوريا لم يتعلم الروس من الإيرانيين كيف يتغلغلون بمد أصابعهم أولاً ثم أرجلهم ثم يتمددون بعد ذلك كما يحلو لهم. مرت على الإيرانيين سنوات طويلة وهم يدقون مسامير جحا في سوريا، ضريح هنا ومقام هناك، أكاذيب وخزعبلات أضفيت عليها القداسة ولا أصل لها من الصحة، ثم بعد ذلك قالوا للعالم نحن في سوريا لندافع عن مقدساتنا وحشدوا لحربهم المقدسة حثالة الإرهابيين من لبنان والعراق، أما الروس فعملوا بصمت وفجأة أغاروا بطائراتهم وصواريخهم، وبدون مقدمات تظهر مؤسستهم الدينية «الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية» لترحب بشن غارات جوية في سوريا واصفة القتال هناك «بالمعركة المقدسة»، وجاء ذلك على لسان فسيفولود تشابلن رئيس قسم الشؤون العامة في الكنيسة، ثم تظهر صورة قسيس وهو يبارك طائرة حربية، فيتسبب كل ذلك بإحراج أجبر فلاديمير بوتين على قول «إن روسيا لا تريد التورط في حرب دينية»، وحاولت الكنيسة أن تتهرب من تعبير «حرب مقدسة» بإصدار بيان قالت فيه «إن الحديث كان عبر برنامج إذاعي ولم يأت في بيان رسمي من الكنيسة»، فكان تبريرها أقبح من قولها، لكن لو تعلم هؤلاء من الإيرانيين لكفاهم اختيار أربعة أمتار مربعة على الأرض يشيدون عليها غرفة صغيرة ثم يقولون اكتشفنا مقام القديسة أولغا، لا سيما وأنها خرجت من روسيا في أواسط القرن العاشر في رحلة إلى إسطنبول، ويمكن أن يطوروا الرحلة فيقولون وصلت سوريا، ونحن هنا اليوم لندافع عن مقدساتنا، ويتجنبون بذلك هذا الحرج!لنعد إلى قول بوتين، «روسيا لا تريد التورط في حرب دينية» وبنظرة موضوعية سنجد أن بوتين ليس أمامه إلا قول هذا الكلام، ذلك لأنه يعلم جيداً أن كلمة الحرب المقدسة تستفز المسلمين ويعلم جيداً أبعادها وكيف أن الاتحاد السوفييتي خسر المعركة في أفغانستان عندما تحولت إلى حرب دينية، وستكون حربه هذه حرباً مفتوحة تضيع فيها مصالح بلاده، وتبقى مفاتيحها بيد غيره، كما أنه لا يريدها حرباً دينية معلنة لأن روسيا لديها مشاكل مع القوقاز والشيشان وهم مسلمون سنة، فالمشكلة لن تتوقف عند حدود سوريا وخسارة النفوذ فيها، لا يعني ذلك أنه لا يعتبرها حرباً دينية وفق قناعته لكنه لا يريد إعلانها، وإلا ما معنى وقوفه إلى جانب أقلية علوية وميليشيا راديكالية مثل «حزب الله» ودولة دينية مثل إيران وهم يعتدون ويبيدون؟ أما الكنيسة الروسية فهي تعني ما تقول، وهناك قناعة عند الغرب والشرق الذين تجمعوا في بلاد المسلمين بأن حربهم دينية، ومصالحهم لا تنحصر بالاقتصاد والطاقة، وكلهم يراقب باستمرار علاقة المسلمين بدينهم، وكلما كان المسلمون أقرب لدينهم، قربوا هم صواريخهم وطائراتهم من المسلمين، فهذه ليست المرة الأولى التي نسمع فيها هذا المصطلح وقد سبقهم بوش الصغير عندما قال عن غزوه العراق «إنها حرب صليبية». إذا تصرف بوتين بحكمة فسيسحب قواته ويوقف حربه بأسرع وقت، قبل أن يتجمع عليه المسلمون من كل مكان، عندها لن يستطيع إنهاء حربه.