لطالما بحثنا عن «معارضة رشيدة» يستقيم معها الإيقاع السياسي في الدولة، توازن بحراكها سلطات للحكومة لطالما وصفت «بالرشيدة» حتى لا تنفرد بالقرار.ودونها أي دون «المعارضة الرشيدة» ستنفرد أي سلطة تنفيذية بالقرار مما سيحملها فوق طاقتها وسيضع المسؤولية عليها وحدها حين وقوع الخطأ، ويفسح المجال للفساد ويفسحه أكثر لتغولها في نفوذها واختصاصاتها وصلاحياتها وسلطاتها. في النهاية ... السلطة وحدها التي تحد من السلطة فيراقب بعضها بعضاً وبذلك يتحسن أداء جميع السلطات. التوازن بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) هي الفلسفة التي يقوم عليها النظام الديمقراطي. والرقابة الشعبية بالمجتمع المدني هي السلطة الرابعة والمجتمع هو الجمعية العمومية التي يقوم عليها البناء، باختصار هذا هو النهج الذي اخترناه لتسيير شؤوننا ولتوصيف نظامنا السياسي الملكي الدستوري وهذا هو جوهر الميثاق الوطني والدستور الذي حاربنا من أجل التصويت عليه منذ عام 2000 ثم قاومنا وبشراسة أي قفز عليه أو الاستهانة به.نحن إذاً لسنا ضد وجود معارضة بالمطلق فنحن مع توازن للسلطات يحتم وجود رقابة شعبية عليها، لكننا اختلفنا بل وحاربنا وبشراسة وسنظل على موقفنا هذا ولن يتزحزح مع من ادعى أنه احتكر موقع «المعارضة» زوراً وبهتاناً فهذا الموقع مفتوح للجميع لا أحد يدعي أنه يملك عقد احتكاره ولا أحد يملك الحق ليوزع ويصنف العمل السياسي وفق اتفاقه أو اختلافه معهم، فيدعي الطهارة والبياض والحق والملائكية و«المعارضة» له، والبقية مرتزقة وموالون وحكوميون وغونغو وووو، كما أننا لم ولن نتفق مع أي حراك سياسي مبني على أسس طائفية ولم ولن نتفق مع أي عمل سياسي يمد ذراعه للخارج، أياً كان اتجاه هذا الامتداد غربياً أو شرقياً فتلك «خيانة» مع سبق الإصرار والترصد بلا لبس ولا تدليس ولا اعوجاج لسان في توصيفها، هذا هو جوهر وروح الدستور الذي أقر حق الاختلاف وأقر حق العمل السياسي المشروع، ولهذا دافعنا عن الدستور وحاربنا من خانه وخان قسمه عليه.نحن إذاً لسنا ضد وجود «معارضة» بالمطلق، بل بالعكس نحن نسعى لوجودها ولخلقها ولتأسيسها، نحن نسعى لتأسيس نهج للعمل السياسي يعرف كيف يدير الاختلاف بينه وبين بقية السلطات ضمن الإطار الدستوري وباستقلالية عنها، لهذا كان دفاعنا عن الدستور بشراسة دفاعاً عن حقنا في الاختلاف وتمسكنا بالأطر الدستورية لإدارته لا دفاعاً عن السلطة.دفاعنا عن الدستور الذي نظم العلاقة بيننا وبين السلطة كإطار نحتمي به يحفظ أمن واستقرار الدولة أولاً ويحفظ أمن واستقرار الحكم ثانياً ويقيه شر (الثورات)، أما ثالثاً فإنه يحفظ الاختلاف وحق الاعتراض لكل المواطنين، دفاعنا عن الدستور لأنه كان سيحيل ما سنختلف عليه إلى القوانين المنظمة ومن ثم إلى القضاء إن دعت الحاجة ليفصل بينها في حال احتدم هذا الخلاف، بعد هذا كله لم ندافع عن الدستور لينتهي بنا المطاف إلى سلطة تتجاوز هذا الإطار الدستوري كله في خلافها معنا وتعود بالعلاقة بينها وبين فئات المجتمع إلى «عبد ومامور» أو «تابع ومتبوع» و ينتهي بنا المطاف لتدار خلافاتنا مع السلطة خارج الأطر الدستورية وبأسلوب لا ينتمي لدولة القانون ولا ينضبط إيقاعه ولا يعرف مداه (حتى قانون أمن الدولة في النهاية هو «قانون» نعرف أقصاه ومداه ونعرف كيف نتعامل معه)، لم ندافع عن الدستور لتضع لنا السلطة اليوم حارساً يحاسبنا حتى على اختيار «ألفاظنا» في الإعلام وفي البرلمان ظناً منها أن تلك السياسية «العقيمة» تجعل النظام السياسي في مأمن من التقلبات وسياسة تفسح له المجال أن يعمل دون منغصات، لم ندافع عن الدستور أمام أكبر مؤامرة تتعرض لها البحرين وأكبر خيانة شهدها الدستور منذ لحظة إقراره إلى اليوم لنتنازل اليوم عنه بسهولة ونقبل تحت التهديد والابتزاز أن تدار خلافاتنا خارج إطاره.بيننا كمواطنين من جهة نعبر عن آرائنا في أي وسيلة إعلامية تلفزيون أو إذاعة أو صحافة أو برلمان أو أي مؤسسة مدنية أو في مجلس شعبي وبين السلطة من جهة أخرى، قانون وقضاء نحتكم لهما في حال اختلفنا، ولا أحد فوقه إعلامياً كان أو وزيراً كان، فإن رأت أي من السلطات ضرراً وقع عليها من أي فرد فدونها القضاء تحتكم له، هذا هو الدستور الذي دافعنا عنه بشراسة وسنظل ندافع عنه بشراسة أكبر أياً كان الثمن الذي سندفعه.