جميــع التحــــركات العسكريـــة والتعبئة اللوجستية والتصريحات والتلميحات المعلن عنها والمخفي والتي يتحفظ عليها قادة وتجار الحروب، في ما يتعلق بالأزمة الآخذة بالانتفاخ والارتفاع فوق رؤوسنا كالبالون الذي ينتظر توقيت انفجاره وحجم القوة العسكرية الهائلة المتمركزة منها، والمتحركة من قواعد كبريات الدول، كذلك تدابير القيادة المركزية الأمريكية بتحريك بوارجها وتغيير مواقع أساطيلها والحشود التي بدأت تتنامى بين حدود بعض الدول، سواء على شكل قوات نظامية أو ميليشيات ومجاميع متطرفة، كل ذلك لم يعد مثيراً للانتباه فحسب بل ينذر بوقوع أمر جلل هو أشبه ببركان سينفجر ويعصف بالمنطقة، وسوف لن تسلم أي عاصمة من حممه.وكما هو معلوم فإن من يهيمن على ملفات الشرق الأوسط ويحركها هي جهات معروفة بالتنسيق مع اللوبي الصهيوني، واشتغلت طوال الفترة الماضية بحنكة لإعداد الأرضية المناسبة لتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة، و»الربيع العربي» الزائف، وتصدير الديمقراطية المسخ، والتي أزيحت بموجبها أنظمة ودول وأخرى مهيأة للسقوط، تزامناً مع التعاطي مع الملف السوري، الذي أصبح كشماعة لإعادة رسم خارطة المنطقة.ولن تستقيم الخطة الجديدة التي اجتمعت عليها دول الشر العالمي دون الإطاحة بأنظمة وقيادات وتنصيب أخرى متناغمة ومتوافقة مع ذلك الهدف وإعادة رسم الحدود وتجزئة المجزأ، خصوصاً بعد أن تم وضع قنابل موقوتة داخل كل دولة، ستنفجر تزامناً مع صفارة الحكم، بانطلاق اللعبة القذرة ذات الشوط الواحد.وليست «تركيا أردوغان» عن مرمى ذلك الهدف ببعيد، بل إن المعطيات المتوافرة والتحركات المحمومة ربما ستجعلها المرشح الأقوى لتداعيات ذلك الانفجار، والطوفان المرتقب والذي سيخلف وراءه فوضى عارمة ستذهل الجميع في قوتها وعنفها. خصوصاً إذا علمنا أن الكيان الصهيوني رسم شباكه منذ أمد بعيد للإيقاع بها، لكنها كانت في كل مرة تنفذ من ذلك الشباك، وأصبح أردوغان اليوم العدو الأول لنهجها، والذي لقن قادتهم تحت قبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحافل الدولية، أقسى الإهانات وألذع الانتقادات، وابتلع وتجرع ذلك الكيان مرغماً كل تلك السخرية والاحتقار، محتفظاً بالتوقيت والطريقة المناسبة للرد.لقد ركز حزب «العدالة والتنمية» على الجانب الاقتصادي منذ صعوده، وأخذ ذلك حيزاً كبيراً من سياسته وجهده على الصعيد الداخلي والخارجي، ونجح نجاحاً منقطع النظير، وانتعش الاقتصاد التركي لكنه أغفل الكثير من الجوانب الأخرى في تحسين الوضع والبيت الداخلي، والتي نفذ منها أعداء التجربة «الإخوانية التركية»، تحت ثوب علماني ليبدأ مسلسل تقويض ذلك الحزب وإحراج قياداته. خصوصاً بعد أن أصبح ذلك الحزب مركز استقطاب وراعياً لجميع قيادات وتنظيمات الإخوان العالمية، بعد أن تراجع دور «إخوان مصر» ومرشدها عن الزعامة، التي أصبحت شكلية أكثر مما هي فعلية، بسبب الظروف القاسية التي مر بها الحزب وقياداته. ومهما كان موقف المراقب من سياسة الإخوان، لكن للإنصاف فإن التجربة التركية هي أفضل نتيجة لحد اليوم في تعاطي ذلك التنظيم في إدارة دفة الحكم، وقد تكون آخرها ولا يسمح باستنساخها. وعلى مستوى السياسة الخارجية، فقد ارتكب ذلك الحزب خطأ استراتيجياً في اتخاذه موقف المتفرج بل في بعض الأحيان المساند للدور الإيراني التوسعي في المنطقة، إلى أن تمكن من لي رقاب دول عديدة وجعله قاب قوسين أو أدنى من عقر داره، وكان همه الوحيد الحفاظ على الجانب الاقتصادي مع إيران على حساب الوضع الأمني والعقائدي.أما السياسة التركية والموقف من موضوع تنظيم الدولة «داعش» فهو محل ريبة وشك، وأجهزة الرصد الاستخبارية العالمية توثق كل التحركات لذلك التنظيم، وتركيا تعاملت مع ذلك الملف وفقاً لمصالح قصيرة النظر، فكانت تركيا طوال الفترة الماضية ممراً آمناً لكثير من قياداتهم ومشفى لجرحاهم، بل مركزاً حيوياً لديمومة نشاطهم، وستفاجأ تركيا عندما تنقلب تلك القيادات وخلاياها النائمة بوجههم بعد أن يتم الإيعاز لهم من أسيادهم، كذلك ستحرج من تلك الحقائق التي تغافل الغرب عنها متعمداً ليبرزها في أقرب وقت كوثائق دامغة لإدانتهم.تلك الملفات وغيرها بدأت تضغط بشكل مؤذ على الشارع التركي والسياسة التركية على حد سواء لإرباكهما وسحب أقدامهما إلى فوضى بدأت بحشر تركيا في طريق مسدود في انتخابات جمدت الوضع السياسي وأدخلته في مأزق كشبيه بالوضع اللبناني الذي حشر في عنق الزجاجة، والعمل جار على تقوية المعارضة والنفخ في حجمها لتصبح حجر عثرة أمام أي تقدم في تشكيل الحكومة فضلاً عن إعادة تنشيط الدور الكردي المناهض لكل أشكال الحكومات التركية، وضغطه الشعبي، وبالمقابل تعجل الحكومة بالتعامل العسكري لقمعه مما حرك دوامة العنف وبدأ معه مسلسل الاغتيالات والتفجيرات وآخرها التفجير الكارثي وسط حشد من المعارضة الذي أودى بحياة العشرات وسط العاصمة أنقرة.فوق كل ذلك لم يخف أردوغان وحزبه أبداً رغبتهم في إعادة تركيا إلى أحضان الأمة الإسلامية، وحنينه إلى إرثه وأمجاد الخلافة العثمانية، عندما كانت متسيدة العالم لسبعة قرون مضت، وكان يصرح بذلك دوماً دون تردد أو تلميح.كذلك انفتاحه على كبريات الدول الإسلامية كالسعودية، وتعاطفه مع القضية الفلسطينية و»حماس»، كل تلك الطموحات والهواجس والملفات والهفوات في السياسة الأردوغانية ستجعل الغرب والكيان الصهيوني لا يغفلان أبداً في خضم هذا الإعصار والطوفان وسيفتحون حتماً إحدى بواباته لتجتاح تركيا وتغرق معها أردوغان!