قبل نحو 25 عاماً كانت هناك قصة سفاح في بريطانيا يخطف الأطفال الصغار ويغتصبهم، ثم يضربهم بالفأس ويقتلهم، كانت جريمة بشعة هزت الرأي العام في بريطانيا كلها، وبعد أن تم القبض عليه، حكم عليه بالسجن لمدة 25 سنة، وبعد أن مكث في السجن 5 سنوات، وبسبب حسن سيرته وسلوكه، أطلق سراحه فعاد لتكرار جرائمه! في القضية الأولى التي أدين فيها كان عدد الأطفال تسعة، وفي القضية الثانية كان العدد ثلاثة أطفال، وبعد التحقيق معه اعترف بجرائمه، وتم تحويله إلى المحاكمة، وكان من بين القضاة، أحد القضاة الذي حكم عليه بالقضية الأولى، رغم أنه غير مسلم، إلا أنه كان من أصل فلسطيني، فطلب الكلام وقال: في الإسلام يقول الله «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب»، ولم أكن أفهم معنى الآية، وكنت أعتقد أن هناك تناقضاً، فكيف يكون هناك قصاص وحياة بنفس الوقت؟ كيف أقتل الإنسان فيحيا الإنسان، وهو شيء غريب لا يصدق، لكن في هذه القضية عرفت أن الآية صحيحة، فلو تم إعدامه في المرة الأولى، لكان الأطفال الثلاثة الآن أحياء وأنقذت حياتهم.بالمقابل، هل سمع أحدكم عن قانون سكسونيا؟ هو قانون ابتدعته حاكمة مقاطعة سكسونيا إحدى المقاطعات الألمانية القديمة في العصور الوسطى، وبموجب هذا القانون فإن المجرم يعاقب بقطع رقبته، إن كان من طبقة «الرعاع» - و»الرعاع»، هم عموم أفراد الشعب الذين لا ينتمون إلى طبقة النبلاء - أما إن كان المجرم من طبقة النبلاء، فعقابه هو قطع رقبة ظله! حيث يؤتى بالنبيل المجرم حين يستطيل الظل بعد شروق الشمس، أو قبيل مغربها، فيقف شامخاً منتصب القامة، مبتسماً ساخراً من الجلاد، الذي يهوي بالفأس على رقبة ظله ومن جمهور الرعاع الذي يصفق فرحاً بتنفيذ العدالة!نؤكد قبل كل شيء أننا نحترم القضاء البحريني، وندعم أن يكون قضاؤنا البحريني مستقلاً نزيهاً محايداً بعيداً عن أي تجاذبات سياسية ومحاصصات طائفية، غير أننا بالمقابل لابد أن تكون لنا نظرة بعيدة المدى بخصوص المحاكم التي يحاكم فيها الإرهابيون، والأحكام القضائية الصادرة وانعكاساتها على المجتمع البحريني، فالحكم الصادر مؤخراً في قضية شهيد الواجب أحمد المريسي رحمه الله، الذي استشهد أثناء تأدية الواجب في منطقة سترة، بعد أن قام المتهمان في قضيته بدهسه مراراً مع سبق الإصرار والترصد لأغراض إرهابية، شكل فاجعة للرأي العام البحريني والخليجي، الذي أخذ يعبر عن استنكاره ويطالب بالقصاص وتنفيذ أحكام الإعدام بدعوى أن تخفيف الحكم إلى المؤبد و15 سنة سجناً، أمر لا يستقيم، في مقابل فداحة وبشاعة الجرم المرتكب إلى جانب التهم الأخرى، وهي الإخلال بالنظام العام، وتعريض حياة الأشخاص للخطر، وبث الرعب بينهم وترويعهم، والاشتراك في التجمهر في مكان عام بغرض الإخلال بالأمن والنظام العام.أخشى أن تصبح القصتان اللتان استعرضناهما في بداية المقال انعكاساً في المستقبل لواقع ربما سوف نعيشه - نتمنى ألا يحدث ذلك - إن استمر الوضع على منهجية التراخي في الأحكام الصادرة وعدم تطبيق ما دعا إليه كتاب الله عز وجل بتطبيق القصاص وقتل القاتل.بات الرأي العام البحريني يستشعر وجود تهاون، الأمر الذي يقود إلى تمادي من جانب الأطراف الإرهابية التي أخذت ترى أن «السكة سالكة» مع الأسف الشديد، ونقول هذا من قلب وطني محب لأجل مصلحة البحرين وحماية مستقبلها القادم من انعكاسات مثل هذه الأحكام.نعود لنؤكد احترامنا للأدوات القضائية والأدلة وكافة الإثباتات، لكن الكل أيام الأزمة طالع مقاطع دهس رجال الأمن واللحظات الأخيرة من استشهادهم فهل معقول ألا يعدم مجرم واحد على الأقل وهو أضعف الإيمان؟! إن الإعدام يعني حماية حياة الأجيال القادمة من جرائم هؤلاء ومنع ترسيخ ثقافة وجود تراخٍ أمني قد يدفع الناس مستقبلاً لأخذ حقهم بيدهم، مما يوجد الإخلال بالسلم الأهلي في المجتمع، فهل من أحد يفطن أن الأحكام الصادرة اليوم هي من ترسم مستقبلنا الأمني القادم؟عندما حرق رجل أمن حتى الموت بعد إلقاء مولوتوف على سيارته في سترة عام 1995 من قبل عدد من الإرهابيين ثم تم حرق الآسيويين في نفس المنطقة عام 1997 للأسف بعد عدة سنوات على سجنهم تم العفو عن بعضهم! لذا لا نستغرب إن وجدنا مثل هذه الجرائم عادت لتتكرر وفي نفس المنطقة بطريقة أكثر بشاعة وإجراماً مما يعكس وجود تطور في العمل النوعي للجرائم التي وصلت إلى دهس رجل أمن مراراً وتكراراً! المريسي رحمه الله استشهد بنفس المنطقة نتيجة عمل إرهابي بعد مرور أكثر من 16 سنة عن الجريمة، ولربما كان بالإمكان الحفاظ على حياته لو طبقت أحكام الإعدام وقتها التي ستكون كما الرادع لمثل هذه الجماعات «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب».ضمير أي إنسان حين يرى مثل هذه المقاطع، لابد وأن يدفعه إلى أن يطالب بالإعدام، إن آخر كلمات الشهيد كانت «لا إله إلا الله فداك يا بحرين»، وكأن آخر كلماته رسالة أنطقه الله اياها لنا ورسالة تذكيرية، لقد فدى المريسي رحمه الله البحرين بحياته فلماذا لم نرَ بالمقابل من يفدي حقه وحق أطفاله وعائلته بالقصاص من قاتليه؟ ألا يكفي أن أطفاله وعائلته حرموا منه؟ فلماذا يحرمون من حقهم في القصاص وعدالة أحكام السماء؟منذ عدة أيام تناقل الناس مقطع لمحتجين في المغرب، والكل رأى كيف تعاملت معهم الشرطة المغربية حينما شعرت أنهم خرجوا عن إطار قانون التظاهر، وفضت تجمعهم غير المرخص دون تردد، وبالتالي نحن نطمح لصفعة قانون واحدة تجاه الإرهابيين تعيد لنا هيبة الدولة وعزتها، نطمح لحكم إعدام واحد فقط تجاه من دهسوا رجال الأمن، لا نريد أن نصل إلى مرحلة نقول فيها إن المريسي ضحى بحياته لأجل الوطن ولم ينل مرتكبو الجريمة بحقه العقاب الأليم، نتمنى لمن يهمه الأمر أن يفطن لموقف الرأي العام وأبعاد أحكام هذه القضايا التي أدمت القلوب وأدمعت العيون لمناظرها غير الإنسانية.أزمة 2011 كانت نعمة من الله، كشفت لنا الأقنعة وجرس تنبيه ومكرمة من الله سبحانه وتعالى، ومكارم الله لن تتكرر إن لم نطبق شرعه وما دعا إليه، لو فتح أي شخص القرآن الكريم الذي يعد دستور الأمة الإسلامية لوجد كل الآيات التي تتناول القتلة وكيف أنها تدعو للقصاص. يوم القيامة لن يسألنا الله عن دكاكين حقوق الإنسان، ولا قوانين دول الغرب واتفاقياتهم، إنما عن شرعه، ولذلك لنقضِ على هذه الجرائم بأحكام رب السماء، فالظلم ظلمات، وللمظلوم حوبة لا ترد.أمريكا أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين السود ولم تتردد لحظة واحدة فكيف بمجرمين دهسوا رجال الأمن مراراً وتكراراً لدرجة أن أحد الإرهابيين اعترف أن هدفه قتل اكبر عدد ممكن من رجال الأمن؟ ستكون الحلقة مفقودة طالما الجهات الأمنية بالدولة تقوم بواجبها في حماية الوطن والناس والتضحية برجالها لأجل هذا الوطن، وبالمقابل يتم التهاون مع المجرمين ولا توجد أحكام توازي تضحياتهم ومساعيهم في حفظ الاستقرار على مدى طويل. طالبنا مراراً ونعود لنطالب، الإرهابيون لا يجب أن يحاكموا في محاكم مدنية بل يجب أن تنشأ محاكم عسكرية يحاكمون فيها وفق قانون الإرهاب الدولي كما فعلت أمريكا مع أحداث 11 سبتمبر وهو أضعف الإيمان.إحساس عابر:* المريسي رحمه الله لم يدهس لوحده في ذلك اليوم، بل دهست قلوبنا معه، نتمنى ألا يكون المريسي قد خسر حقه في محاكم الأرض، لكن بالتأكيد لن يخسر المريسي حقه في محاكم السماء.* هناك وجهة نظر تقول «ليش حارين نفسكم عن قضية الشهيد المريسي، مو شي جديد، «ردنا عليهم»، حر الدنيا ولا حر جهنم!