لفت انتباهنا بالأمس تعميم أصدره النائب العام الدكتور علي البوعينين لأعضاء النيابة العامة بشأن المدعين بالمعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة والحاطة بالكرامة من قبل الموظفين العموميين.التعميم يقضي بملء استمارة تحوي كافة البيانات ترفق بصورة من التحقيقات لترسل إلى وحدة التحقيق الخاصة حتى يتسنى لها الوصول للمتضررين واستكمال التحقيقات معهم فيما يدعونه. الخبر مقتضب، لكن مضمونه يفهم على أن هناك حالات يشتكي أصحابها من سوء معاملة من قبل موظفين في الدولة، ويلجأ أصحابها إلى النيابة والقضاء لإنصافهم وأخذ حقوقهم، وتفاعل النيابة يثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن البحرين ماضية في قطع أشواط متقدمة في جانب صون الحقوق المدنية وضمان الحريات وتطبيق القوانين. تذكروا الأمانة العامة للتظلمات كمثال حي مطبق بنجاح.بحسب ما يفهم من الخبر، فإن هناك من يسيء معاملة الناس بحكم موقع عمله، سواء كان ذلك في قطاعات خدمية أو أخرى، تمارس عملها من خلال الاحتكاك بالناس والمراجعين، وأن هؤلاء المتطاولين على كرامة الناس يستغلون مواقعهم ويستسهلون ما يقومون به من ممارسات خاطئة. وعليه فإن التذكير واجب لكل شخص مسؤول في عمله، أو صاحب صلاحية معينة، بأن عليه عدم نسيان كونه «موظف» في الدولة، ومهمته خدمة الناس وتسهيل الأمور عليهم، ما يقتضي «سعة صدره» لهم وللاستماع لشكاواهم وملاحظاتهم، والأهم معاملتهم بطريقة تحفظ لهم كرامتهم وشكلهم واعتبارهم. لو سألتم المواطنين بشأن مراجعات كثيرة منهم لبعض القطاعات، فإنكم ستجدون حالات وحالات من سوء المعاملة، والحط من قدر البشر من قبل أفراد لم يستوعبوا بعد بأن مهمتهم خدمة الناس وبأساليب محترمة وراقية. وعليه إن كان الهدف من الخطوة حفظ اعتبار البشر ومحاسبة من يتطاول عليهم مستغلاً المنصب، ومن يقلل من كرامتهم، فإننا نشد على يد النيابة العامة ونطالبها بالتصدي لمثل هذه الظواهر السيئة التي لا تصدر عن أشخاص أسوياء. وفي مقابل ذلك، لابد من تحري الدقة في الادعاءات، وأن يقدم المتضرر ما يثبت تعرضه للضرر أو شهود على الواقعة، إذ مثلما هناك حاملون للمسؤولية يخطئون، هناك أشخاص يفتعلون المشكلات ويضخمون الأمور، ويفترون ويكذبون، إذ أصابع اليد ليست سوية في الجانبين. وبالحديث عن الحقوق وحفظ كرامة الناس، فإن العملية لا تقتصر على وضعية مسؤول وعميل، أو حامل مسؤولية ومراجع، بل حالات الإساءة للناس باستغلال المنصب يمكن أن توجد في مواقع العمل نفسها، بحيث يكون هناك «ابتلاء» للموظفين في قطاع ما بـ «مسؤولين» متغطرسين يمارسون الإدارة بأسلوب «ديكتاتوري» أو يتعاملون مع الأمور وكأنهم يديرون «عزبة خاصة»، بل بعضهم يوغل في الممارسات الخاطئة فيعامل الناس والموظفين وكأنهم «خدم» لديه. مثل هذه الحالات تحتاج أيضاً لمن ينصف المتضررين منها، تحتاج لتحرك أقوى وأكبر من لجان التظلمات والتحقيق التي تقام من قبل الجهات المعنية في الدولة، والتي لم نسمع بأنها أخذت حق موظف في نفس الوقت وأوقفت مسؤولاً وعاقبته وفصلته. وحتى لا نظلمهم، قد تكون هناك حالات نجحت لجان التحقيق في إنصاف المتضررين ومحاسبة المسؤولين فيها، لكننا لا نعلم بها، كون هذه الأمور لا تنشر، في حين النشر بحد ذاته يمكن أن يخدم ويكون أداة ردع لآخرين متنفذين يستغلون المنصب ليذيقوا الموظفين صنوف الإهانة والظلم والتمييز والعداء. خطوة مثل هذه التي أعلن عنها النائب العام، نحتاج لأن تشمل حتى موظفي الدولة، أقلها حماية لهم من تسلط بعض المسؤولين، ولتمنحهم الثقة بأن في البلد قانون لا يقبل في ظل وجوده أن تهان كرامة مواطن أو يظلم أمام بعض المسؤولين الذين ظنوا أن الكراسي تمنحهم الحق في مخاطبة البشر مثل فرعون حينما قال للناس «أنا ربكم الأعلى»!