حلم الإنسان على كوكبنا الأرضي أن يعيش الحياة بسعادة وهناء وسلام، دون أن يعكر صفوها، ريح أو إعصار أو كارثة أو حرب أهلية أو وطنية أو إرهاب، دون أن يخدش يومياتها العادية رأي أرعن أو فكرة تحمل الأشواك أو خاطرة سيئة تكسر روح المودة والتسامح في القلب، الإنسان البسيط العادي لا يحب أن يخرب الترتيب الذي تعود عليه في خطوات معيشته المتقدمة دائماً نحو الأفضل. الإنسان العادي البسيط لا يفكر في شيء آخر، غير أن يحصل على لقمته اليومية دون معاناة ودون عراك مع الآخر، ويسكن تحت سقف آمن، ومعه أولاده، ليس خائفاً من برد الشتاء، ولا من حر الصيف، ولا من الوحوش التي تدور حول بيته في الخارج. الإنسان العادي هو من يحلم أن يعيش أولاده وبناته وأهله حياة أفضل مما عاش فيها.من هنا، قد يخرج علينا في بعض الأحيان بعض الأشخاص الذين يريدون أن يؤكدوا ذاتهم بين ذوات الآخرين، من خلال طرح وجهات نظر مغايرة لما هو مألوف في الحياة اليومية للمجتمعات الإنسانية، وليس مهماً لهم صحة هذا الرأي أو وجهة النظر أمام الحقائق العلمية والمعروفة كجزء من ثقافة المجتمع وثقافة الأفراد، الذين نهلوا من ثقافة غيرهم في هذا المكان أو في هذا الزمان. فالمهم أن يقولوا ما يريدون قوله وينزعجون حينما يقف أحد المختلفين معهم في الرأي، ويقول لهم إن «ما تقولونه باطل»، المهم بالنسبة لهؤلاء الأشخاص أن يشار إليهم بالبنان، وتشتهر أسماؤهم بين الناس، تحت شعار «خالف تذكر»، حتى لو كان على حساب المجتمع الذي ينتمون إليه، ويشربون من هوائه ومائه ويتنعمون بخيراته.ومن أجل التدليل على هذا الأمر، ومناقشة شيء من الموضوع المطروح في هذا العمود، دعونا نقرأ معاً هذه الحكاية البسيطة، بساطة الناس في كل المجتمعات البشرية فوق الأرض.هذه الحكاية، تقول: «اختلف الذئب مع الحمار ذات يوم على لون العشب! قال الحمار: لون العشب أصفر، لكن الذئب قال: لون العشب أخضر، واختلفا كثيراً، ولم يص? إلى حل، وأخيراً قررا أن يتحاكما إلى ملك الغابة. بدأت المحاكمة، وكلٌّ أدلى بحجته، وعند إصدار الحكم تلهف الجميع لسماع كلمة العدالة. وإذا با?سد خيب آمال الحاضرين في جلسة الحكم، فقد حكم على الذئب بالسجن لمدة شهر واحد، وببراءة الحمار!استنكر الذئب وقال: سيدي أليس لون العشب أخضر؟ قال ا?سد: بلى، قال الذئب: إذاً لماذا حكمت عليّ بالسجن وأنا لم أخطئ الرأي؟ قال ا?سد: صحيح أنك لم تخطئ الرأي، لكنك أخطأت عندما جادلت الحمار على مسألة كهذه، لذلك أمرتُ بسجنك لكي تعتبر، و? تجادل من ? يستوعب و? يفهم وليس بأهل لذلك». يقول ناقل الحكاية تحت عنوان الفائدة، «? تجادل من ? يستوعب، ومن هو أسير العصبية والطائفية والحزبية والجهل، ?نك لن تخرج بنتيجة، خاصة في هذه ا?يام».هل لنا أن نعرف الآن كيف تكون الآراء المعادية للمجتمع، أي مجتمع، سيكون لها رد فعل أقوى عشرات المرات، مما كان يتصوره صاحب الرأي المختلف والمخالف لطبيعة حركة المجتمع الذاهبة إلى الخير العام.إذا شعرت أن هناك من يحاول أن يطرح مثل هذه الآراء التي تعمل على تخريب المجتمع، لا تناقشها، ولا تهتم بها، ولا تعطها أهمية لكونها مطروحة من صاحب رأي ناقص، أتركها وستموت قبل أن تنتشر بين الناس، اتركها.