في سياق طرحنا لقضايا عاشوراء، تناولنا بالأمس مسألة الوحدة الإسلامية بين المسلمين في ظل قيم ومبادئ الإمام الحسين، حسب المعطيات الفكرية للسيد الراحل محمد حسين فضل الله، وأكدنا على أهمية الوحدة الإسلامية في خط عاشوراء، وأكدنا كذلك على أنه يجب أن تكون ممارساتنا تجاه الذكرى ممارسات مسؤولة، بعيداً عن الإسفاف أو الاستخفاف، لأن ممارساتنا هي مرآة وعينا وإيماننا بالقضية، وما أقبح أن نكسر مرآة عاشوراء الحسين.من هذا المنطلق يؤكد الراحل فضل الله في سياق طبيعة وشرعية إحياء الذكرى أن تكون ممارساتنا واضحة حتى لا يلفها لبس أو غموض، ولهذا أكد قائلاً: «إذا كان المطلوب من العاطفة هو ضمان استمرارية عاشوراء، وإبقاء حرارتها مع تقادم الزمن، وتعميقها على مستوى الشعور الإنساني، فإنه من الضروري أن نبقى في دراسة دائمة لأساليب إحياء الذكرى، لأن الإنسان يتنوع في مؤثراته تبعاً لتطور ثقافته وذهنيته. وبتعبير آخر، إن الذهنية لغة، فإذا كانت الذهنيات تختلف وتتطوّر، فهذا يعني أنَّ المؤثرات لابد من أن تتناسب مع الذهنية المخاطبة، فربما كانت بعض الإثارات خاضعة لمرحلة معينة، فلا تصلح لتحريكها في الواقع في مرحلة أخرى، وربما كانت المسألة متصلة بمستوى ثقافي متدنٍ في تأثره بأسلوب معين، فلا يكون عنصراً للإثارة في مستوى ثقافي متقدم».هذه هي الدعائم التي أرساها فضل الله من أجل أن لا تخرج ممارستنا في الإحياء عن خط ومنهج الإمام الحسين عليه السلام، ولتكون كل ممارساتنا العاشورئية ممتدة من شرعية الشهيد، لا من شرعية العوام من الناس، لتتحقق مزايا عاشوراء بصورة صافية ونقية، بعيداً عن المزايدات والعواطف غير المنتجة، ولهذا فهو يقترح أن تكون طريقة ووسائل إحياء عاشوراء متجددة، لكن وفق الضوابط الزمانية والشرعية والعقلية.ليس هذا فحسب، بل يؤكد فضل الله على أهمية أن تكون هنالك وسائل إحيائية تتناسب وعصرنا الحديث «لابد من العمل على الاستفادة من وسائل التعبير التي استحدثها العصر، كالمسرح والسينما وغيرهما، فإن ذلك يؤمن لعاشوراء أن تنفتح على الإنسان المعاصر من موقع تجسيدها للقيم التي انطلقت منها، وتعميقها للمأساة التي تحركت فيها، وإطلالتها على الأجواء التي تنتجها، ما يعطي لعاشوراء بعداً إنسانياً عالمياً إلى جانب بعدها الإسلامي الخاص. وهذا أمرٌ طبيعي جداً، لأن أي فكرة لا بد لها من أن تدخل في الوجدان الإنساني بالوسائل التي يمكن أن ينفتح عليها هذا الوجدان، حيث إن الإنسان يتربى من خلال وسائل التواصل التي يعيشها في عصره، ما يجعل تلك الوسائل ذات قدرة على التأثير تفوق كثيراً قدرة تأثير الوسائل التقليدية الجامدة، وهذا الأمر يتطلب قدرات فنية إبداعية على المستوى السينمائي أو التلفزيوني أو المسرحي، سواء في التأليف أو الإخراج أو في طبيعة الممثلين، بشكل يحافظ فيه على الجو الإسلامي لعاشوراء، سواء في خطوطها الحركية أو في طبيعتها الدينية».مع كل هذا، ومع كل ما قيل، ستظل عاشوراء الخالدة مسارا لتقديم كل التضحيات الكبيرة في سبيل الحفاظ على هوية الإنسان وصون كرامته، مهما كان دينه أو مذهبه أو هويته أو جنسه، وبحجم هذه الذكرى وحجم صاحبها، يجب أن تكون ممارساتنا نقية وطاهرة ومحترمة، تليق برجل قدم حياته في سبيل الله وفي سبيل الكرامة الإنسانية على مر الأزمان والعصور.