في مقارنة إعلامية محلية منشورة بالأمس ذكرت معلومة مفادها بأن أسعار اللحوم في البحرين -حتى مع رفع الدعم الحكومي عنها- تظل أرخص الأسعار في دول الخليج العربي. ومع احترامي الشديد لمضمون ما نشر، ومع الاعتبار بأن ما ذكر «حقيقة» واقعة على الأرض، إلا أنني كمواطن أرى أن هذا النوع من المعلومات لا يخدم تطلعاتي بقدر ما يمنح المسؤولين الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تحسين الخدمات، تمنحهم مبرراً لعدم إرهاق أنفسهم في البحث عن حلول، أو الالتفات بشكل جدي لهموم الناس، باعتبار أن الوضع -في الحالة المشار لها- يبين أن لدينا أرخص الأسعار. ما أريد بيانه هنا أننا حين نقوم بالمقارنات وبالأخص بين دول الخليج بهدف بيان أننا «الأفضل» بشأن مسألة ما، لابد أن تكون المقارنة المعقودة آخذة في اعتبارها عدة عوامل رئيسة هي من صميم اهتمامات المواطن. بمعنى أنني حين أقول إن أسعارنا الأرخص في شأن اللحوم مع وجود امتعاض لا يمكن إنكاره في صفوف الناس، وحتى نوابهم الذين لم ينجحوا في التصدي للقرار المتخذ ولا حتى إقرار فكرة «البطاقة التموينية»، فإن أول سؤال يوجه لي باعتباري مسؤولاً أو حتى جهة إعلامية تزين للقرار يتمثل بالتالي: طيب مقارنة اللحم تقول إننا الأرخص رغم رفع الدعم، طيب ماذا عن المقارنة بالرواتب والأجور؟! ماذا عن المقارنة بمستوى الخدمات المعيشية وتسهيلاتها واشتراطاتها؟! نعم قد نكون الأرخص سعراً في اللحوم، لكننا لسنا الأفضل في الرواتب، لسنا الأفضل في الخدمات المختلفة، وطبعاً لسنا الأفضل في التسهيلات والمساعدات التي تقدم للمواطن في شأن التعليم والضمان الصحي والزواج والإسكان. وعليه فإن هذا النوع من المقارنات غير واقعي، لأنه يستثني عوامل وقضايا أخرى أكثر أولوية وأهمية. اليوم أنا كإعلامي يفترض أنه يمثل صوت الناس وناقلاً لهمومهم، ليس مقبولاً أن ألمع وأطرز لوضع لا يحقق للناس الفائدة الأكبر، في مقابل أنه يمنح المسؤولين ذرائع ومبررات وكأنها «أطواق نجاة» بشأن وضع يفترض أنهم يجتهدون لحله وتسويته. ما نتطلع إليه كمواطنين في قضية رفع الدعم ألا تتطور لتشمل أموراً أخرى، رفع الدعم عنها سيتضح بصورة أوضح وسيكون له تأثير أكبر على حياة الناس، كرفع الدعم عن الكهرباء والماء وعن المحروقات والنفط على سبيل المثال. بل التطلع أن تتخذ الدولة إجراءات قوية بشأن تعديل الميزان الاقتصادي، وحل مشكلة الدين العام وحتى العجز الإكتواري، وذلك عن طريق إدارة صحيحة للملف المالي بالاستناد إلى كفاءات وخبرات يمكنها إيجاد حلول لا تكون على حساب المواطن بحيث يكون جزءاً من حل وضع تسبب به غيره ممن تقع عليه عاتق المسؤولية. وعليه لسان المواطن يقول: لا تقارنوا لي وضعي بسعر اللحم مع دول الخليج، بل رجاء قارنوا لي وضعي بشأن الرواتب والخدمات مع دول الخليج!