يحدث أحياناً في بعض الفضائيات العربية أن يوجه المذيع سؤالاً لشخص تتم استضافته على الهواء مباشرة عبر الهاتف أو مراسل الفضائية وينقطع التواصل معه لسبب أو لآخر فيعتذر المذيع عما حدث ويواصل النشرة. مثل هذا الموقف ليس غريباً ومتوقعاً ويظل مقبولاً لو أن الفضائية التي تتابعها تتعرض له مرة كل شهر أو كل أسبوع أو حتى مرة بين كل عدة أيام أو حتى مرة واحدة في النشرة الإخبارية، لكن تكرار هذا الأمر في نشرة واحدة لا تجده إلا في فضائية واحدة في العالم هي فضائية «العالم» الإيرانية حيث يوجه المذيع السؤال للضيف، ويحدث صمت يطول أحياناً، قبل أن يردد المذيع عبارة «هل تسمعني؟ نحن نسمعك.. هل تسمعني.. أنت معنا على الهواء»، ويلي ذلك صمت والعبارة التي صار كل مذيعي هذه الفضائية يحفظونها عن ظهر قلب.. «يبدو أننا فقدنا الاتصال مع ضيفنا أو مراسلنا وسنعاود الاتصال به في وقت لاحق».من يتابع فضائية بهذا المستوى يتبادر إلى ذهنه على الفور سؤال ملخصه كيف يمكن لدولة تريد أن تتسيد المنطقة وهي لا تزال دون القدرة على ضبط اتصال مباشر في فضائياتها بين مذيعيها ومراسليها أو ضيوفها؟ مفارقة تحتاج إلى تفسير. دولة تعتبر نفسها نووية ولا يمر يوم إلا وتعلن فيه عن إنتاج صاروخ جديد وتعاني من كل هذا التخلف في مسألة سيطرت عليها فضائيات كثيرة منذ زمن طويل؟ليس هذا تجن على هذه الفضائية السوسة، فبإمكان كل من يريد التأكد من هذه المعلومة أن يتابع نشرة إخبارية واحدة فقط في أي يوم من أيام الأسبوع، أو يتابع برنامجاً واحداً يبث على الهواء مباشرة، كالبرنامج اليومي المخصص للإساءة إلى مملكة البحرين، وبالتأكيد سيندم على الوقت الذي أضاعه في متابعة نشرة أو برنامج تبثه هذه الفضائية ولن يبق في ذاكرته سوى تلك العبارة لأنه سيسمعها خلال متابعته كثيراً. سؤال آخر يتبادر إلى الذهن أيضاً فور ملاحظة هذا الأمر، هو إذا كان هذا هو مستوى الفضائية الإيرانية فكيف هو مستوى وكفاءة صواريخها وأسلحتها؟ وكيف هو مستوى من يعهد إليه لإطلاقها؟ ليس المقصود هنا القول إن القوة العسكرية الإيرانية دون المستوى، لأن مثل هذا الكلام فيه مبالغة مخلة تضر ولا تنفع، ولكنها بالتأكيد ليست بالقوة التي يروج لها، خصوصاً وأن إيران ظلت محاصرة اقتصادياً فترة طويلة وتعرضت لعقوبات حرمتها من تطوير قدراتها في مختلف المجالات. وكما إنه لا يمكن لكل من ينشئ فضائية أن يبث كما تبث دول العالم برامجها عبر فضائياتها، كذلك فإنه لا يمكن لكل من يعلن عن تصنيع أسلحة أن يقنع العالم بأنها متطورة فعلاً وقادرة على تنفيذ المهام المطلوبة منها.طبعاً يصعب على المشاهد المتابع لفضائية «العالم» أن يحصل على معلومات وافية ومقنعة من أي مسؤول عسكري تستضيفه هذه الفضائية، لأن الاتصال معه سينقطع عدة مرات، وهو على الهواء مباشرة، هذا إن سمح له بتوفير بعض المعلومات أو سمح له بقبول الاتصال من الفضائية مرة أخرى.مشكلة إيران أنها أوصلت نفسها إلى مرحلة صارت تشعر فيها بالثقة في نفسها، ولكن بشكل مبالغ فيه، فاعتبرت نفسها سيدة التكنولوجيا وسيدة الفضائيات، والقادرة على التعامل مع كل جديد في كل حقل من حقول المعرفة.الأفضل بالنسبة لإيران طبعاً هو أن تتمكن أولاً من التخلص من مسألة انقطاع الاتصال بضيوف فضائياتها، لتتمكن من إقناع العالم بأنها بالفعل قادرة على التعامل مع التكنولوجيا، وأن مهندسيها قادرون على تصنيع الأسلحة المتطورة، وأنها بالفعل في مستوى التهديدات التي صارت توجهها لدول المنطقة بسخاء.
Opinion
انقطاع الاتصال بفضائية «العالم»
25 أكتوبر 2015