في الواقع، الفكر يتألف من عاملين رئيسين، هما الواقع والإحساس، يكون موجوداً في الإنسان والحيوان، على حد سواء، فمن الممكن أن يرفض الطفل مثلاً أكل الحجر، بينما يتسارع لأكل التمر، وكذلك الحيوان، ليس عنده فكر، ولكنه لديه إدراك غريزي، ويتحكم في ذلك إحساس مسبق، بينما في الإنسان فإنه يربط فكره مع معلومات سابقة، ثم التحليل والربط من متراكمات موجودة في مجتمعه.فيبدأ بعد التفكير بمعلوماته المتراكمة، إلى حلول مشكلة معينة، أو تأسيس نظرية معينة، أو تصوير لواقع قضية معينة، أو إيجاد بدائل لشيء ما.ومن هنا نستغرب من الأحاديث والأفكار المتطرفة، التى تتداولها المجالس والندوات، حينما يقولون هذا تكفيري، طائفي، والأغلبية من الذين يدخلون في النقاش ليس لديهم فكر، إنما هو مجرد بوق يردد ما يسمع سواء سنياً، شيعياً، ليبرالياً، علمانياً، ملحداً. وكلهم اتفقوا على شيء واحد، هو حرية الرأي والفكر، وتجدهم أكثر من يقاتل ليمنع رأيك، والعجيب في الأمر أن ليس لهم رأي!ونحن علينا أن نقيس الفكر بالفكر، وليس بالمذهب أو بالترغيب أو الترهيب، نحن علينا الارتقاء بالحوار الفكري العقلاني، بعيداً عن التعصبات للمذاهب أو الأحزاب أو الديانات، كم أتمنى إقامة حوارات تهدف إلى مناقشة الفكر بالفكر، والحجة بالحجة، ولا تفرض الآراء، ولا تؤسس لمنهج قائم بالاختلاف، مهما كان مسمى هذا المنهج. هذه الخطوات مفيدة جداً خاصة لنا في وقتنا الحالي، إذا كان الصراع لأفكار أنتجها الإنسان مع إنسان آخر، ولكن لا فائدة منها إذا كان الصراع بين منهج الله والإنسان.وهذا ما يمر على الأمة الإسلامية والعربية، أفكار متطرفة، ولم تمر على الأمة فتنة كفتنة اليوم، التي ترجمت إلى أفعال، إنها فتنة الضلال المبين، الذي لا يخفى على من له مسكة عقل، إلا أن يكون قد أضله الله.فكان من الذين لهم عقول لا يفقهون بها، إنها فكرة الخروج عن الأمة بحد السيف، فيقتل البر، والفاحش، والمسلم، والكافر، فكر ما بات بين عشية وضحاها بالفكر الداعشي وأشباهه الطائفية، وهو مستمد من الفكر الخارجي ولكنه فاقه إجراماً.يقول الشاعر: وكنت امرؤ من جند إبليس فارتقى بي الدهر حتى صار إبليس من جنديوها هنا اليوم يستعصي الفكر الداعشي على دول عديدة، وجيوش جرارة، تمطر وابلاً من القنابل، وهو لا يزال صامداً، ويكتسح بلدة بعد أخرى، فما الذي يوقفه غير الفكر الذي يحرق الفكر الداعشي، ولكن كيف؟!ما علينا إلا بابرام اتفاقيات دولية وإقليمية بشأن محاربة الفكر الإرهابي، مع التشريعات الوطنية حول هذا الأمر، بالتعاون مع المؤسسات التعليمية والدينية والاجتماعية في المساجد والمدارس والأسر والإعلام، وتشجيع المؤسسات الخاصة والعامة للقيام بأنشطة لمواجهة الأفكار المنحرفة والتحذير منها، ونشر المفاهيم بوسائل الحوار، وتقبل الآراء الأخرى، خاصة في التجمعات الشبابية لتحصينهم من أي أفكار خارجية، بتجنيد الشباب المتطوعين بوسائل التواصل الاجتماعي، من أجل حماية ووقاية الشباب من الأفكار المتطرفة التي تضللهم وكيفية إقناعهم نحو نبذ تلك المفاهيم، التي لا تمت للدين بصلة.
Opinion
مواجهة الفكر بالفكر
27 أكتوبر 2015