يوم أمس كنت في الكلية الملكية للدفاع والأركان لإلقاء محاضرة عن الحياة السياسية في البحرين وأثرها على الأمن الوطني.وأثناء النقاش طرح سؤال عن عاصفة الحزم إن كانت المملكة العربية السعودية قد استدرجت لقرار الحرب.ما شدني هو مكانة المملكة العربية السعودية عند الحضور، وكانوا نخباً من ضباط قوة الدفاع، مكانة عالية نداؤها هو نداء بحريني لا سعودي والاستعداد للتضحية من أجلها كان صادقاً وعفوياً تستطيع أن تلمسه في الخطاب وفي نبرة الصوت وفي أدوات التعبير، هكذا هي السعودية بالنسبة للبحرين والعكس صحيح.وللعلم فالبحرين على صغر حجم مساحتها وقلة إمكانياتها المادية إلا أنها في مواقفها السيادية التي تمس كرامة شعبها كبيرة تتفوق بكبرها وعظمتها على دول أكبر منها مساحة وأغنى منها وأكثر منها إمكانات عسكرية، فلم يكن ذلك اندفاعاً عاطفياً تجاه دولة شقيقة بل اندفاع العقل الذي يدرك ماذا تعني المملكة العربية السعودية للبحرين فيما يخص أمنها واستقرارها.فالبحرين إن مس أحد طرفاً لها فهي غول لا يحابي ولا يجامل، فالقرار الذي اتخذه جلالة الملك حمد بن عيسى على سبيل المثال بطرد مساعد وزير الخارجية الأمريكي قرار تردد فيه العديد من الزعماء العرب وغير العرب ممن استهانت بهم الولايات المتحدة الأمريكية وبسيادتهم وبكرامتهم، ولم يكن قراراً حماسياً مندفعاً بل قراراً مدروساً، حين شعر جلالة الملك بأن «أجنبياً»، مهما كانت مكانته أو منصبه ومهما كانت قوة الدولة التي يمثلها وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية، يستهين بكرامة وسيادة البحرين وقوانينها ومؤسساتها فإن قرار طرده لم يتأخر واستعدت البحرين ملكاً وحكومة وشعباً لتحمل مسؤولية تبعات هذا القرار الجريء أياً كانت ودفع أي ثمن مقابل أن تظل البحرين عزيزة ولها احترامها وكرامتها.وهكذا البحرين تتخذ مواقفها التي تمس شؤون سيادتها في العلن وبلا تردد فتطرد السفير الإيراني وتعلن حزب الله حزباً إرهابياً، في حين تقف دول أكبر منها وأكثر قدرة منها مترددة لا تريد أن تواجه دولة كإيران أو أزلامها في المنطقة.ولسمو رئيس الوزراء مواقف جريئة في الأزمة الأخيرة ومثلها في السبعينات أمام الشاه الإيراني، فلم يبال حينها بقوة وجبروت إيران حين أكد أمامه على عروبة البحرين وعلى سيادتها ورفضها لأي تدخل أو محاولة للهيمنة الإيرانية.مما فرض على المجتمع الدولي احترام هذه الدولة التي وضعت أمور سيادتها فوق كل اعتبار.فالبحرين ليست الدولة التي تفرط في سيادتها وتقبل بالتبعية، وعلى هذا الأساس وبهذا المقياس يجب قياس الاندفاع البحريني تجاه الاتحاد مع المملكة العربية السعودية، بمقياس دولة لا تستهين بسيادتها ولا باستقلاليتها ولا تفرط فيهما ولا تدع أياً كان يمس عزتها ولا تقبل أن تكون تابعاً ذليلاً لأي طرف أو قوة.إلا أن العلاقة البحرينية السعودية هي علاقة «الواحد» نحن أمام كيان واحد.كما أن المقياس السعودي للبحرين مقياس استثنائي، مقياس لا يعتبر البحرين الدولة الصغيرة طرفاً أو تابعاً، مقياس يعرف أن البحرين هي نقطة ارتكاز رئيسة وبوابة للأمن سعودية لا بحرينية رئيسة، إن نفذ منها خطر أو تهديد فإن بينه وبين قلب السعودية مسألة دقائق فلا يفصل بين المنطقة الشرقية بكل ما تعني هذه المنطقة لاقتصاد وأمن المملكة العربية السعودية وبين البحرين سوى 25 كيلومتراً يقطعها أي سلاح قبل أن يرتد طرف الجانب المقابل. بهذا المقياس إذاً نحكم ونقيم طبيعة العلاقة السعودية البحرينية لنرى العلاقة البحرينية السعودية علاقة الواحد لا علاقة الاثنين، علاقة تقرر بها البحرين وبلا تردد أن تنضوي تحت قيادة المملكة العربية السعودية العسكرية في تحالف يهدف لعودة الشرعية في اليمن، دفاعاً عن كياننا ووجودنا باندفاع، لكنه اندفاع مدروس اندفاع نظام وحكم لا يستهين ويتهاون بحفظ وصيانة كرامة دولته وشعبه، بل اندفاع العقل والمنطق اندفاع يلتزم بقضايا وطنه وبعروبته.