65 مليون دينار فقط صرفتها تمكين على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى غاية سبتمبر من أصل 80 مليون دينار، هل هذا فقط ما نستطيع أن نقدمه لأصحاب هذه المشاريع إن أردنا حقاً أن نحول اقتصادنا من اقتصاد يعتمد على موازنة الدولة إلى اقتصاد خاص هو الذي يمول موازنة الدولة؟رغم كل التضييق على طلبات التمويل إلا أنه مازال الطلب على التمويل يفوق العرض، بل إن العرض بدأ يتقيد ويحد، من بعد أن كان التمويل %80 من موازنة المشاريع تقلص إلى %50، وهناك شكوى -نسمعها تحتاج لتوثيق- أن القيود التي فرضتها تمكين على إجراءات التمويل لمعالجة بعض الخروقات السابقة أدت إلى زيادة حجم التذمر، فبعضها تعسفي وغير ذي منطق، إنما بشكل عام مجرد وجود هذا الكم من الطلبات على برامج التمكين هو وعي متصاعد ومتنامٍ كنا نبحث عنه ونسعى له منذ سنوات يوجه الشباب للسوق بدلاً من توجهه للوظيفه العامة، وهذا بحد ذاته إنجاز يعد لـ«تمكين» التي استطاعت خلال خمس سنوات من الجهد والحملات التوعوية من تغيير وعي الشباب وثقافتهم وطريقة تفكيرهم.إنما توسيع دائرة المنفعة وتوجيه اقتصاد الدولة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة يجب أن يكون ضمن استراتيجية شاملة لا تقف عند «تمكين» فحسب، ولا تمويلها يقف عند رسومها المحصلة من هيئة تنظيم سوق العمل فحسب، بل يجب أن تتسع كاستراتيجية شاملة تمتد لتشمل الحاجة لإعادة النظر في المنظومة التشريعية التي يشوبها بعض القصور، والتي تعيق استغلال وتوظيف الموارد الأخرى، وكذلك تشمل مجموعة تدابير وقرارات وإجراءات داخلية تلزم المؤسسات والوزارات جميعها بمساعدة هذه المشاريع بفتح الأبواب لها وإعفائها من الكثير من الرسوم وتسهل لها العمل وتساعدها على البحث عن أسواق جديدة وتحفيز كل من يمد لها يد المساعدة من أفراد ومن مؤسسات.لدينا فائض في محفظة التأمين ضد التعطل على سبيل المثال بلغ 400 مليون دينار يقف التشريع ويحول دون توظيفها في تمويل العاطلين في مشاريع صغيرة تعينهم على دخول السوق، لم تستغل، كان بالإمكان أن توجه لمجموعة العاطلين ومساعدتهم في إنشاء مشاريع صغيره ومتوسطة. ورغم أننا نشد على يد تمكين في إنشائها محافظ التمويل إلا أننا نتحفظ على برامج التدريب التي تبنتها تمكين للشركات الكبرى والمؤسسات الكبيرة، فهي شركات تملك ميزانية تدريب خاصة بها وبرامج تدريب خاصة بها، وهذه الشركات تدفع للمجلس النوعي للتدريب كذلك بحصتها ولدى المجلس ما يقارب 3 ملايين دينار مخصصة كلها للتدريب تحولت الآن لتمكين، فلم تدخل تمكين هذا المجال وتقتطع من حصة تمويل المشاريع وتمنحها لتدريب عمال الشركات الكبرى منحرفة عن أهدافها؟إعادة رسم خارطة الطريق لتبني خطة اقتصادية متكاملة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة أمر مطلوب الآن خاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية التي سنواجهها.بالإمكان الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا كاليابان وكوريا في هذا التوجه والاستفادة من «سلة» الخيارات التي توفرها اليابان للمشاريع الصغيرة، فاليابان على سبيل المثال تعفيها من الضرائب وتؤمن عليها من الإفلاس، ولليابان خطط تسويقية جميلة لأصحاب هذه المشاريع، فهي تقيم معارض خارج اليابان لتسويق هذه المنتجات، لا أن تترك أصحاب المشاريع يبحثون هم عن المعارض، وتفرض على المؤسسات الكبيرة التي تستفيد من المناقصات الحكومية الشراء من هذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة.أما في كوريا الجنوبية فتعتبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة بمثابة جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الكوري، ويصل عددها حالياً إلى أكثر من 3 ملايين منشأة، تشكل نسبة %99.80 من المجموع الكلي للمشاريع العاملة في كافة القطاعات الاقتصادية، وتوظف نحو 10.480 مليون عامل من أصل 12.04 مليون عامل، أي نحو %87 من مجموع القوى العاملة في كوريا عام 2003. وتمثل المشاريع الصغيرة والمتوسطة أيضاً نحو %99.4 من مجمل المشاريع العاملة في الصناعة التحويلية، وتساهم بنحو %52.8 من إجمالي القيمة المضافة المتولدة في هذا القطاع.مع العلم أن اقتصاد كوريا الجنوبية كان يعاني قبل نهضتها الاقتصادية التي اعتمدت على المشاريع الصغيرة والمتوسطة من التخلف والركود، حيث كان يعتمد على سلعة تصديرية واحدة وهي الأرز، وكان اقتصاده يعاني من عجز دائم في الميزان التجاري، وكان يغطى من المساعدات الأمريكية، وكوريا تعاني من ندرة في الثروات المعدنية وضيق في المساحة القابلة للزراعة ومعاناتها من الهجرة المستمرة من الريف إلى الحضر، وعمالتها غير مؤهلة وغير مدربة وسجلت أرقام بطالة عمالية عالية، وانعدام الاستقرار الوظيفي، ونصيب الفرد من الدخل القومي لم يتجاوز 87 دولار عام 1962، باختصار الشعب الكوري كان مصاباً بالإحباط وعدم الثقة بالنفس والشعور بالدونية والفقر والاتكالية والمحسوبية والارتشاء من أجل التوظيف ولا توجد قاعدة صناعية ولا تتوفر مهارات في الصناعة (من ورقة عمل قدمها باحث فلسطيني في منتدى فلسطين لإدارة الأعمال).الشاهد أننا بحاجة لاستلهام تجارب هذه الدول التي وضعت استراتيجية شاملة للنهضة بهذا النوع من الاقتصاديات بدلاً من الخطوات المتفرقة التي نتبناها وترك كل قطاع يتحرك بمعزل عن الآخر.
Opinion
اقتصاد المشاريع الصغيرة والمتوسطة؟ «هل نتكلم جد»؟
03 نوفمبر 2015