أسدل الستار أمس على جلسات الملتقى الخليجي الرابع للتخطيط الاستراتيجي، الذي أقيم هذا العام تحت عنوان «هواجس أمنية» برعاية كريمة من معالي وزير الداخلية البحرينية وتنظيم شركة «أكت سمارت»، إذ شاركت فيه متحدثاً بمحور «الأمن الاجتماعي»، حيث تناولت ورقتي الربط ما بين خط الفقر وخط الفقر الأمني.. ومنه انطلقت لبعض المشكلات الاجتماعية التي تصب في نفس الاتجاه ووجدت أنها تشكل تهديداً أمنياً داخلياً على دولنا الخليجية.وقد ارتأيت أن أوجز ما جاء في تلك الورقة من خلال هذا المقال نظراً لغياب دور الأمن الاجتماعي عن المشهد العام في ظل ما يعصف بالمجتمعات الخليجية من أزمات وزوابع سياسية وأمنية بالمقام الأول وما لبثت الأزمات الاقتصادية أن لحقتها، فلطالما ارتبطت صورة انعدام الأمن في مخيلاتنا وإدراكنا بالأوضاع السياسية المضطربة وغير المستقرة، وباضطرابات الوضع الاقتصادي، إلا أن انعدام الأمن قد يكون نابعاً من ظروف اجتماعية؛ فالفقر والبطالة قد يقوضان من مساحة الأمن الاجتماعي.تقع بعض الدول تحت عتبة الفقر أو خط الفقر، وقد لا تكون أي من شعوب دول الخليج قد وصلت لهذا الخط بشكل كبير، لكن ظروف البطالة قد تدفع بعض الشباب لتجاوز هذا الخط دون أن نلاحظ ذلك، فضلاً عما قد يخلفه تآكل الطبقة الوسطى في المجتمع من اتساع شريحة الفقراء على نحو أكبر.في مقال سابق تناولت موضوع الأزمة الاقتصادية الخليجية، والتي ترجع لانخفاض أسعار النفط، الذي يشكل بدوره المصدر الأساسي للدخل القومي في الخليج العربي، وأن ذلك سيتبعه لا محالة تخفيض الإنفاق الأمر الذي حققته بعض الدول بصفة تدريجية ومازالت دول أخرى تدرسه بجدية، غير أن المخاوف والهواجس التي نحملها في مجال الأمن الاجتماعي، أن يطال تخفيض الإنفاق معيشة المواطن ويسهم في تخفيضها بدلاً من الاكتفاء بتقنين المصروفات في مجالات الترف وأوجه الإسراف السابقة.وقد تناولت الورقة كذلك ربطاً ما بين البطالة والفقر، باعتبار أن الأفراد من هذه الشريحة هم الأكثر تهديداً وعرضة للوصول إلى الأيادي غير الأمينة، والتي تعمل بدورها على التغرير بالشباب وتوريطهم في الجريمة والعنف والانحراف أو في التطرف الديني والسياسي الذي قد يقود في أغلب الأحيان إلى نشاط إرهابي، ومرجع ذلك الربط أن المجتمع الخليج استهلاكي بطبعه، ويتطلب العيش وفق مستوى مادي معين، ومتى ما انعدمت فرصة تحقيق هذا المستوى كان الحال مخجلاً اجتماعياً، ويشكل ضغطاً نفسياً على صاحبه، ولعل خير مظلة لدرء الحرج أو لتعويض النفس، أن يكون الوعد بالخير مؤجلاً، وأن النعيم مستحق بالجنة، وأن في طريق الزهد بالدنيا مخرج من معضلة مجاراة الناس والمجتمع في ظل قصر ذات اليد، وهو ما يجعل الفقر أحد العوامل الجاذبة لمثل تلك المنظمات الإرهابية الملتحفة برداء الدين.. بالطبع يصعب التعميم ولكنها إحدى السيناريوهات التي نواجهها في هذا الشأن. لعل واحدة من أهم أزماتنا الاجتماعية وتناقضات صناعة القرار في بلادنا الخليجية، أننا نعاني من البطالة والفقر ومشكلات اقتصادية، ومازلنا نغرق البلد بأعباء إضافية بدعوى ضبط الديمغرافية السكانية، والتي أراها أنها أحدثت خللاً على كافة المقاييس، نعاني من البطالة ومازلنا نستقطب «الكفاءات الخارجية» دونما تأهيل فعلي وممنهج لكوادر وطنية تمسك بزمام القيادة في بعض الوظائف، ونعاني من بطالة خريجي تخصصات محددة تشبع سوق العمل منها، فنهمل تلك الفئة ولا نجد لها حلاً، ونغلق التخصص في الجامعات أو نقننه، ثم نوجه الطلبة أفواجاً أفواجاً لتخصصات أخرى لنعيد المشكلة نفسها دون تخطيط أو دراسة لاحتياجات البلد المستقبلية بالأرقام.- اختلاج النبض..اللواء د.عبدالقدوس العبيدلي، مساعد القائد العام لشؤون الجودة والتميز في شرطة دبي، أشار أمس الأول في محور «الأمن الداخلي» إلى أن دبي والإمارات عموماً تسعى لإسعاد المواطن في كل شيء.. أعتقد أن بقية الدول الخليجية وعلى رأسها البحرين لا تتطلع إلى السعادة حالياً فهي مرحلة بعيدة جداً، وإن جلّ ما تتطلع إليه شعوب تلك الدول الضمانات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحقق له الأمن والاستقرار والعيش الكريم داخل بلاده.
Opinion
مفتاح الأمن الاجتماعي.. ما بين خط الفقر وخط الفقر الأمني
06 نوفمبر 2015