في العالم الذي نعيش هناك دائماً من يحاول يومياً أن ينشر ما يقوم به من فعل، فإن قدم مبلغاً تافهاً لمركز من المراكز الخيرية الكثيرة لمساعدة المحتاجين، كالجمعيات التي تعمل على علاج الأمراض المستعصية أو رعاية الأيتام، أو ذوي الاحتياجات الخاصة، أو فتح مدارس في المناطق النائية لتعليم الأطفال في منطقة تحاصرها الأمية، أو بناء مساجد ومساكن لهم، هذه المساعدات لا تحتاج إلى الإعلان عنها في الصحف، لأنك إن نشرت هذه المساعدة ستكون بمثابة إعلان، ومن أهم شروط المساعدة أو الصدقة أو فعل الخير هو السرية التامة، بعض الأحيان يكون مستوى السرية أنك لا تتكلم بها مع زوجتك أو أولادك، فإن كنت تريد أن تعمل خيراً افعله لوجه الله، وبمعنى ألا تنشر عنه أي خبر.كم إنسان يساعد إنساناً آخر بصمت، ومن غير أن يشعره بالدونية أو الضعف أو أنه أقل من الآخرين.عرفت العديد من الناس الذين يقومون بالصدقة بصمت الزهاد، وعرفت أيضاً الكثير الذي إذا ساعد إنساناً ما حتى يعرف كل من حوله -أو كما نقول «القاصي والداني»- بما فعله من مساعدة. وخاصة بعض التجار والبنوك والشركات الكبيرة، والتي تنشر أخبار مساعداتها في الجرائد، رغم أن المبالغ تكون أصغر من أن تتحدث عنها هذه الشركة الكبيرة أو تلك، لأنه من الممكن أن يقوم بهذا الإنسان المقتدر دون أن يضع إعلاناً في الجريدة.قبل فترة قصيرة قرأت إحدى القصص الواقعية التي تعبر خير تعبير عن المساعدة بصمت وبدون ضجة، لتعبر ما أريد الوصول إليه، تقول القصة..يحكى أن سيركاً مشهوراً جاء إلى قرية في الريف الأمريكي ليقدم عروضه.. فهرع أكثر سكان القرية مع أطفالهم ليزوروه.. وكان من بين أفراد الصف الطويل الذي تشكل أمام نافذة بطاقات الدخول مزارع متواضع المظهر، وقف فخوراً بزوجته وأطفاله الأربعة الذين كادوا يطيرون شوقاً وفرحاً بهذه المناسبة السعيدة.ولما جاء دوره في شراء التذاكر طلب المزارع بطاقات له ولأولاده.. إلا أن ما ذكرته البائعة عن ثمن البطاقات جاء كوقع الصاعقة على رأسه، إذ كان الثمن أكثر مما توفر لديه من مال، وبقي برهة واقفاً لا يعرف ماذا يفعل.. يده تتحسس النقود في جيبه، والعرق يتصبب من جبينه، وزوجته خافضة الرأس، وأولاده يتطلعون إليه بتساؤل وجزع.. ولاحظ الرجل الذي يقف خلفه ما كان يجري، وبالرغم من أنه لم يكن أيسر حالاً من المزارع؛ إلا أنه أخرج خفية بعض النقود من جيبه وتركها تسقط على الأرض، ثم ربت على كتف المزارع أمامه قائلاً: «عفواً سيدي.. لقد سقط منك مبلغ من المال»، ثم انحنى ليلتقط النقود ويعطيها له.. فنظر المزارع إلى الرجل والدمعة تسقط من على وجنته.. نظرةً حملت كل معاني التقدير والامتنان.. وهو يقول في نفسه: «شكراً جزيلاً يا سيدي.. لن أنسى لك هذا الفضل ما حييت».فإغاثة المنكوب والمحتاج لا تحتاج إلى ضجة وإعلان.