أخطر ما يمكن أن يتعرض له أي بلد هي عمليات «التخريب» الداخلية، وهنا لست أتحدث عن العمليات الإرهابية والفوضى، بل من منظور آخر يتعلق بعملية تخريب «ثقة» الناس بنظامها وحكومتها. لا يمكن القبول بأي حال من الأحوال، أن تكون البلد رافعة لشعارات جميلة مثالية في التطوير والإصلاح والتنمية والعمل من أجل الناس، ثم يأتي أفراد معدودون لـ»يهدموا» كل هذا البناء بتصرفات وأساليب عمل يكون لها وقع سلبي على الناس. البحرين كبلد ترفع شعاراً لها في عملياتها وحراكها اسمه «المواطن» وأنها من خلال الحكومة تعمل من أجله، وهنا لدينا الثقة بأن هذا الهدف موجود ومتأصل، خاصة وأن شعب البحرين أثبت في المواقف الحالكة كيف أنه شعب تراهن عليه في حماية بلده ونظامه، بالتالي هو يستحق كل جهد مبذول موجه لخدمته، لكن الثقة مهزوزة في بعض العناصر التي تتولى مسؤوليات حساسة في مناصب معينة في كونها تعمل من أجل المواطن. لا يجوز أن تقول البلد شيئاً ويأتي مسؤول ليعمل في اتجاه معاكس، لا يمكن أن ترفع البلد شعاراً مثل محاربة الفساد ثم يأتي تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية ليبين بأن هناك مسؤولين يكرسون الفساد الإداري والمالي، لا يعقل أن نقول للمواطن أنت في بلد حريات وضامن للتعبير الشفاف، ثم يأتي مسؤولون يريدون خنق صوت الناس وقمع رأيهم ونقدهم. لا يمكن لهذين «المتناقضين» أن يسيرا في مسار واحد، بمعنى لا يمكن للبلد أن تتطور وأن يكون حراكها خادماً للناس موجهاً لهم، إن وجد مسؤولون ضد التطوير وضد مصلحة الناس. هذه قاعدة ثابتة؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن لا يؤمن بأن منصبه يفترض من خلاله خدمة الناس، لا يتوقع منه أي إيجابية تصب في صالح الوطن وأهله. مثل هذه الممارسات التي يحسها الناس ويدركونها ويرونها أمامهم من خلال تعاملاتهم، أو حتى كونهم موظفين في قطاعات فيها من مثل هؤلاء المسؤولين، كلها ممارسات تؤدي إلى «زعزعة الثقة» لدى الناس في الحكومة والدولة قبل أن تزعزع ثقتهم بالأفراد مسببي هذه المشاعر والانطباعات، وكما نعرف «السلبيات» تعم، والمواطن اليوم بات لا ينظر لأي قضية على أنها خطأ مدير هنا أو وزير هناك، بل يرى بأن هؤلاء إن أخطؤوا وهم الذين منحوا ثقة الدولة، فإن المسؤول عن محاسبتهم وتقويمهم وحتى إبدالهم من مواقعهم هي الدولة والحكومة. لذا نقولها للدولة والحكومة بصدق، أي مسؤول سواء أكان وزيراً أو وكيلاً أو رئيس هيئة أو مديراً وغيره من أصحاب المناصب، أي منهم لا يقوم بعمله بشكل صحيح، لا يحقق الأهداف المرصودة له في خدمة الوطن وأهله، لا يتعامل مع الناس بالطريقة الصحيحة، تزيد أخطاؤه على إنجازاته وتوثق كنقاط سوداء في تقارير الرقابة المالية، هذا المسؤول -منطقياً- يفترض تقويمه وإعادته إلى المسار الصحيح أو استبداله، فوجوده له أثر سلبي على الناس، يولد لديهم قناعة بأن المخطئ لا يحاسب بل يكافأ باستمراره في منصبه الرفيع، والأخطر يخلق لديهم زعزعة في الثقة في جديتنا كدولة وحكومة في تطبيق شعاراتنا الإصلاحية الجميلة في التطوير ومحاربة الفساد وخدمة المجتمع وأهله. خلاصة القول بأن لدينا مسؤولين هم أسوأ من يقوم بعملية تسويق «ماركتينج» للدولة، أسلوبهم يضر ولا ينفع، طريقتهم تبعد الناس وتنفرها بدلاً من تقريبهم أكثر من الدولة، ولهذا خطره الذي قد يتنامى مع الزمن فيؤثر حتى على الولاء والانتماء والرغبة في البناء.