إنها المحرق، ولمن لا يعرف المحرق ولا قدر رجالاتها؛ هي عبق الماضي ورائحة البحر والتاريخ، ورجالها أول من قادوا الحركة الوطنية ومن ضحوا بأرواحهم ودمائهم من أجل البحرين، ويسجل التاريخ أن ابن المحرق محمد بونفور هو أول شهيد للحركة الوطنية البحرينية، في وقت الشدائد والمحن تراهم أسوداً لا تغويهم المحن، ومن منا ينسى وقفة رجال ونساء المحرق أمام المؤامرة التي أحيكت ضد البحرين في 2011، باختصار هي «أم المدن» والعاصمة السياسية الأولى لآل خليفة الكرام.ولأنها كذلك فإن عاشق المحرق وابنها البار صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان، يولي مدينة أجداده اهتماماً ورعاية خاص، ودائماً ما يوجه إلى إعطاء الأولوية في المشاريع لهذه المدينة التاريخية، لإيمانه المطلق أن «أم المدن» تستحق أن تكون في مصاف مدن العالم التاريخية العريقة المتقدمة، فهي وكما يصفها دائماً «ريحة الطيب». لكن المحرق اليوم ليست كما نأمل أو نحلم أو يتمنى ابنها خليفة بن سلمان، المحرق للأسف، رغم عراقتها التاريخية وإنتاجها الحضاري، واقفة على عروشها خاوية من أي لمحة للتمدن والتطور والتقدم، لا حدائق ولا منتزهات.. لا جامعات ولا مواقف سيارات.. لا مجمعات تجارية «عدا الوحيد واليتيم، مجمع سيف المحرق».. لا مراكز أو أنشطة ترفيه كالألعاب وملاه للأطفال، ولا شواطئ ولا أماكن سياحية. فما هو السر في ذلك؟ لا أدري. لا أدري ما هو السر الذي يجعل مجلس بلدي المحرق الوحيد من بين جميع المجالس محكوماً عليه بالفشل؟ فما نلمسه طوال ثلاثة عشر عاماً أن مجلس المحرق لم يحقق شيئاً، وما لا أفهمه حتى الآن هو سبب «تطفيش» مجلس بلدي المحرق للمستثمرين، فالمجالس البلدية -في العالم- من مهامها جذب الاستثمارات للمنطقة التي تمثلها وتسهيل الحصول على الموافقات المرتبطة بمواقع إقامة المشاريع وخلق البيئة الجاذبة للاستثمار، لكن ما نشاهده على أرض الواقع هو «تطفيش» للمستثمرين!!هي حكاية ألف ليلة وليلة، تكررت في مجمع البسيتين، فبعد أن أتم المستثمر جميع المتطلبات واستوفي الشروط التي أهلته للحصول على الموافقة النهائية لإنشاء المجمع التجاري الأكبر من نوعه في المحرق، تم «تطفيشه» من قبل مجلس بلدي المحرق السابق، ومازال ومنذ 2008 وحتى اليوم يحاول أن يدق باب المسؤولين «باب باب وزنقة زنقة» على وعسى أن يجدوا له حلاً لمشكلته.تكررت الحكاية في حديقة المحرق الكبرى مع مستثمر آخر، كان يعاني ويكابد منذ ثلاث سنوات في سبيل إزالة «الكابيلات» الكهربائية وأنابيب الصرف الصحي الموجودة تحت أرض الحديقة وتغذي منطقة المحرق، ولكن إلى اليوم لا يوجد حل، بمعنى آخر لا يوجد من يبادر أو يسعى إلى حل مشاكل المستثمر.وتتكرر الحكاية اليوم بحذافيرها «كوبي بيست» مع مستثمر مشروع المجمع التجاري الواقع ضمن نطاق أرض بلدية المحرق!!المستثمر حصل على الموافقة من وزارة الأشغال وشؤون البلديات، بعد أن فازت شركته بالمزايدة في سبتمبر 2014، وفق شروط الوزارة والتي نشرت في الجريدة الرسمية، وتضمنت رغبة وزارة البلديات باستثمار الأرض الواقعة ضمن نطاق أرض بلدية المحرق، مقابل بناء المستثمر مقراً للمجلس البلدي على أن تستفيد شركته من المساحة المتبقية من الأرض لفترة زمنية معينة، على أن تعود بعد ذلك جميع الإنشاءات للبلدية وهو ما يعرف بنظام «BOT».لكن ووفق ما صرح به للصحف رئيس اللجنة المالية والقانونية في مجلس المحرق البلدي غازي المرباطي، فإن وزارة الأشغال وشؤون البلديات ستلغي مزايدة مشروع المجمع. البعض قد يفاجئني بالسؤال وهو يظن بذلك بأنه يحرجني؛ أنت تلقي باللائمة على مجلس بلدي المحرق، لكن الواضح أن عملية الموافقة أو إلغاء العقود تأتي من وزارة الأشغال وشؤون البلديات وليس لمجلس بلدي المحرق علاقة بالأمر؟كلامك صحيح 100%؛ لكن من يضع العراقيل أمام المستثمرين وأصحاب المشروعات هو المجلس البلدي، ومن سعى إلى عرقلة مشروع مجمع البسيتين هو مجلس بلدي المحرق السابق، ومن لم يسعَ إلى حل مشكلته إلى الآن هو المجلس الحالي، ومن لم يبادر إلى إزالة العراقيل والعقبات أمام المستثمر الثاني هو بلدي المحرق، ومن عمد لدى وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني لإلغاء مشروع المجمع التجاري الواقع ضمن نطاق أرض البلدية هو مجلس بلدي المحرق، وإذا كانت العلة بالفعل في الوزارة، فلماذا لم نشاهد الوزير يلغي مشاريع أو يوقف استثمارات في محافظة العاصمة أو الجنوبية أو الشمالية، ولماذا المحرق بالذات التي يتكرر فيها -وبامتياز- الفشل في الاستثمار؟ لأنه وببساطة العلة الحقيقية في مجلس بلدي المحرق. الأسبوع الماضي كنت في زيارة مجلس محافظ المحرق عيسى بن سلمان بن هندي المناعي، وقد فتح النقاش حول ماهيه جدوى مجلس بلدي المحرق، لاحظت أن جميع الحاضرين في المجلس متفقون بأن السبيل الأفضل لحل مشاكل المحرق كلها هو إلغاء المجلس البلدي وتعيين أمانة للمحرق بديلاً عنه أسوة بأمانة العاصمة، «وكفى الله المؤمنين القتال».