اعتمدت الدول الخليجية الريعية على الشرعية التقليدية لضمان استمرار أنظمتها السياسية والنخب الحاكمة فيها، وهي الشرعية التي اعتبرها ماكس فيبر تعتمد على قوة الدين والعادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع ومن خلالها يتحدد تعاقب الحكم، ومن خلالها يتم تأطير علاقة المواطنين وولائهم للدولة والحاكم. هذا النوع من الشرعية يستمد مصادره من ثلاث مصادر رئيسة، وهي: قدرة الإنجاز في بناء الدولة، والبعد الديني، والخلفية التاريخية. من الناحية التقليدية يمكن فهم مصادر الشرعية في الدول الخليجية على أنها شرعية تقليدية كما شرحنا أعلاه، ولكنها في الحقيقة لا تقف عند هذا الحد، بل طرأت عليها تطورات كبيرة لم يتم دراستها وبحث جدواها مستقبلاً. قد تكون الشرعية التقليدية ساهمت كثيراً في بناء شرعية الدول الخليجية الحالية بمختلف ظروفها وعواملها، إلا أن هذه الشرعية تطورت مصادرها كثيراً خلال العقود الأربعة الماضية من خلال الإنجازات التي تمكنت الأنظمة الخليجية من تحقيقها، بالإضافة إلى السياسات المتبعة، والأهم من ذلك كله أن هذه الدول انشغلت كثيراً في بناء مؤسساتها الدستورية، واستكمال قوانينها الوطنية حتى وصلت إلى درجة أكثر تقدماً في مقياس المؤسسية أكثر من أي وقت مضى. هذه التطورات ساهمت في تحول على مصادر شرعية الأنظمة الخليجية، فمن أنظمة سياسية تعتمد على الشرعية التقليدية إلى أنظمة سياسية تعتمد على الشرعية البنائية وهي التي تعتمد على بناء مؤسسات الدولة لتنال شرعيتها وفقاً لنظرية ديفيد إيستون. إذن لم تعد الشرعية التقليدية هي التي تحكم الشرعية السياسية في الدول الخليجية الريعية، فمعظمها لديه دستور أو وثيقة دستورية أو نظام دستوري، والنخب الحاكمة في هذه الدول لا تحكم مباشرة، بل تتشارك مع الشعب في الحكم عبر مجموعة من المؤسسات. لذلك صارت الشرعية السياسية قريبة من تلك التي نظّر لها كارل دويتش عندما طرح فكرة الشرعية المؤسسية «البنيوية ـ الدستورية» لأنها تعتمد على ثلاثة أسس موجودة اليوم خليجياً، وهي: الأساس الدستوري، والأساس التمثيلي الذي يعتمد على قناعة المواطنين بتمثيل من في السلطة لهم، وأساس الإنجاز الذي يعتمد على المكتسبات التي تحققت.هذا هو الوضع الراهن للشرعية السياسية في الدول الخليجية، فماذا ستكون عليه مصادر الشرعية مستقبلاً في مرحلة ما بعد الدولة الريعية؟للإجابة على هذا السؤال بإيجاز، فإنه يمكن التعرض للأسس الثلاثة التي تمثل مصادر الشرعية الخليجية، وهي كالآتي:أولاً: الأساس الدستوري: من المستبعد للغاية أن يتم إنهاؤه بعد مستوى التحديث السياسي لدول الخليج، ولكن من الممكن أن تطرأ عليه تعديلات، أو يتم تطويره ليتناسب مع تجربة مستقبلية محتملة.ثانياً: الأساس التمثيلي: لا يتوقع أن يستمر هذا الأساس بنفس القوة كمصدر من مصادر الشرعية، لأن هناك قوى سياسية محلية وخارجية ستعمل على المساس في العلاقة والثقة القائمة بين المواطنين الخليجيين وحكوماتهم ودولهم. ومع ذلك من المتوقع أن تظل الشريحة الأكبر من المواطنين تنظر إلى مسألة التمثيل كما السابق، خاصة أن هذا الأساس يرتبط بعوامل تقليدية كالعادات والتقاليد والثقافة السياسية السائدة فضلاً عن اعتبارات دينية عدة. ثالثاً: أساس الإنجاز: الإنجاز متواصل مادامت الحكومات الخليجية مهتمة بالتحديث وإنجاز المشاريع سواءً كانت لتطوير البنية التحتية أو استهدفت المواطنين. إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن قدرة الحكومات الخليجية على الإنجاز ستتراجع سريعاً بسبب ارتباطها المباشر بقدراتها الاقتصادية التي تمر بمرحلة صعبة ومعقدة حالياً. وبالتالي قد يتراجع هذا الأساس كمصدر من مصادر الشرعية السياسية خلال الفترة المقبلة. من التحليل السابق يتضح أن مصادر الشرعية لن تتغيّر كثيراً في الدول الخليجية خلال مرحلة ما بعد الدولة الريعية، ولكن مصدرين سيتأثران كثيراً، وهما الأساس التمثيلي وأساس الإنجاز. وهذان المصدران ليسا بأهمية في ظل وجود أساس دستوري قوي يتم تكريسه تدريجياً لأنه الأهم باعتباره الأداة المنظمة لكافة التفاعلات داخل الأنظمة السياسية، وهي التي تحفظ الأمن والاستقرار السياسي.