ظاهرة الفساد الإداري ليست وليدة اليوم وليست مرتبطة بزمان ولا مكان معينين؛ فقد عثر فريق الآثار الهولندي عام 1997 في موقع «داكا» في سوريا على ألواح لكتابات مسمارية تبين موقعاً إدارياً بدرجة «أرشيف دائرة الرقابة حالياً» يكشف عن قضايا خاصة بالفساد الإداري وقبول الرشاوى من قبل الموظفين العاملين في البلاط الملكي الآشوري قبل آلاف السنين.انتشار الفساد في البحرين وتغلغله في بعض الجهات الرسمية يكون بصور مختلفة؛ منها استغلال الموظف العام موقع صلاحياته للحصول على كسب غير مشروع أو منافع شخصية يتعذر تحقيقها بطريقة مشروعة، أو أنه استغل المال العام بمشاريعه الخاصة وقبول الرشاوى وتعطيل المشاريع الحكومية مع تدني المنحنى الأخلاقي لديه وغياب الضمير الإنساني، ويؤثر ذلك سلباً في المجتمع وعلى التنمية والنمو الاقتصادي للبلد جراء ممارسات الفساد وانخفاض معدل العائد الاستثماري، إذ إن المبالغ التي يدفعها المستثمر كعمولات ورشاوى على كلفة المشروع ستجد ما يعوضها من خلال ذلك الانخفاض.القضية ليست فساداً وتعطيلاً لمصالح الدولة والمواطنين فقط؛ إنما الخلل والتأثير العام والمباشر على الموظفين في جميع الوزارات والهيئات الحكومية والخاصة، ومن الموظفين أنفسهم، وهناك من جندوا أنفسهم لتبرير الفساد وأوجدوا له الذرائع ما يبرر استمرارية الفساد لحد الآن. فمن تأثيرات الفساد على نفسية الموظفين، اختلاط مشاعرهم والعيش بدوامة البحث عن العدل المنشود والحق وتكافؤ الفرص، وينتج لديهم فقدان الثقة بالمؤسسة والوزارات الحكومية مع فقدان هيبة القانون في المجتمع، لأن المفسدين هم السبب في تعطيل القانون، وتصبح حالة التجاوز هي الأصل واحترامه، مما يزيد فجوة عدم الثقة بين المواطنين ومنظمات الدولة ويؤدي إلى التمايز الطبقي، ما يوسع الفجوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون.فلا عجب حينما نرى الموظفين تنتشر لديهم ثقافة هدر وقت العمل وعدم احترامه، وامتناع الموظف عن أداء عمله مع التواني والتراخي، وإفشاء أسرار عمله، ما يسهل في انقياده إلى سوء استعمال السلطة والوساطة والرشوة.ولن يتم القضاء على ذلك إلا إذا تضافرت جهود أعضاء مجلس البرلمان مع الحكومة، باعتبارهم مسؤولين عن الرقابة ويمثلون الشعب ومصالحه، بإصدار قانون لمكافحة الفساد بإجراء دراسة لوضع مبدأ قضائي يقضي بالتشهير بالفاسدين، ومن ذلك نشر أحكامهم القضائية الخاصة بقضايا الفساد المالي والإداري بعد اكتسابها الصفة القطعية، وإعلام الناس بما يصدر من أحكام في قضايا الفساد باعتبارها اعتداء على حقوق الحق العام وحقوق المواطنين، وتحقيق ذلك مع وسائل الإعلام بالبرامج التوعوية من إذاعة وتلفزيون، وذلك لترسيخ العدالة والحق والمساواة.