لو كنت تعاني من ألم في العمود الفقري، وبهدف تقريب الصورة لك، يقول الطبيب الذي يتولى مهمة علاجك إن «الديسك» عبارة عن احتكاك فقرتين بسبب تأثر المادة التي تفصل بينهما والتي تشبه «الجيلي»، حيث ينتج عن احتكاك الفقرتين بعضهما ببعض الألم الشديد الذي يدفع بك إلى الطبيب طلباً للعلاج الذي يتمثل باختصار في إعادة تلك المادة إلى مكانها أو تقويتها كي يمنع احتكاك الفقرتين فيغيب الألم. لعل هذه الصورة تعين على تصور الوضع السياسي لدينا، حيث الألم الذي يعاني منه الجميع اليوم هو نتيجة الاحتكاك المباشر بين طرفين رئيسين بسبب تأثر مادة «الجيلي» أو غيابها، أما العلاج فيكمن ببساطة في توفير هذه المادة. هذا تقريب للحوار الذي دار بيني وبين واحد من السياسيين من المنتمين إلى إحدى الجمعيات السياسية، والمعروف باعتداله وواقعيته وهدوئه، حيث اقترحت عليه أن يعمل على إنشاء فريق عمل من مختلف الأطراف ذات العلاقة والشخصيات البحرينية المحايدة التي تحظى بثقة الحكومة و»المعارضة» لتقوم مقام تلك المادة، حيث من المتوقع أن يتمكن هذا الفريق من تخفيف الاحتكاك الحاصل حالياً والمتسبب في الكثير من الألم، وأن يصير مع الوقت وسيطاً وأساساً للمساعي الحميدة التي لا بد أن تنتج مفيداً أوله تخفيف حدة التوتر وثانيه توسيع رقعة المساحة المشتركة التي تعين على تقريب وجهات النظر وتحديد القضايا المختلف بشأنها بوضوح أكبر. مثل هذا الفريق هو ما تحتاجه البحرين في هذه المرحلة التي إن استمر الحال فيها على ما هو عليه ضاع كثير من الأمور وازدادت المشكلة تعقيداً، فالأفق ضاق وسيزداد ضيقاً وسيكون صعباً بعد هذا التوصل إلى حل يرضي الأطراف كافة. تكوين هذا الفريق ليس صعباً، أو هكذا يفترض، فالبحرين تزخر بالكثير من الشخصيات التي يمكنها القيام بهذه المهمة، سواء من المنتمين إلى الجمعيات السياسية أو من المستمرين في الوقوف على الحياد ولكنهم يحظون بثقة الحكومة و»المعارضة» ولهم مكانتهم الاجتماعية واحترامهم. المهم الآن هو العمل على إقناع مثل هذه الشخصيات بأهمية هذا الدور وهذه المهمة وتأسيس هذا الفريق الذي عليه أن يدرس الساحة وتطوراتها بعمق ويبدأ في إيجاد مكان له بين الفقرات التي تحتك حالياً بعضها ببعض كي يخف الألم وكي تتضح أكثر المساحة المشتركة التي يمكن الانطلاق منها وتوسعتها يوماً بعد يوم. ما ينبغي أن نؤكد عليه هو أن الجمعيات السياسية اليوم ما عادت جمعيات سياسية بالمعنى الذي يفترض أن تكون عليه، فقد صارت في وضع لا تستطيع معه سوى إصدار البيانات فاقدة القيمة والتأثير، ولم يعد لها أي تأثير في ما يدور في الساحة، بل لم يعد لها القدرة حتى على منع أولئك الداخلين في العمل السياسي عنوة ويعتقدون أنهم بممارساتهم الفوضوية وتعطيل حياة الناس يمكنهم أن يحققوا المكاسب من القيام بما يقومون به حالياً، فلم يعد للجمعيات السياسية أي دالة عليهم، فقد وصل هؤلاء حد عدم قبول حتى النصيحة منها. في مثل هذا الوضع نحن أمام خيارين لا ثالث لهما؛ استمراره وتحمل الألم الناتج عنه بسبب الاحتكاك المباشر بين الفقرات، أو العمل على تكوين الفريق الذي يمكن أن يكون بمثابة تلك المادة التي من دونها يحدث الاحتكاك بشكل مباشر وينتج كل أشكال الألم. كل من له علاقة بالمشكلة البحرينية ويعتقد أن الحل يمكن أن يأتي من الخارج مخطئ؛ بل مخطئ بقوة، فالحل لا يأتي من الخارج أياً كانت الظروف، الحل يأتي من الداخل، وتأسيس الفريق الذي يمكن أن يصير بمثابة تلك المادة هو أول طريق الحل. هل من يقوم بهذا؟