الرأي العام وضع كل تساؤلاته أمام السلطتين التنفيذية والتشريعية من خلال ما أتيح له من وسائل تعبيرية سلمية سواء في الصحافة أو وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر مجالسه الشعبية ولقاءاته المفتوحة وبأسلوب راقٍ ومتحضر ينم عن أصل هذا الشعب العريق وإيمانه وقناعته بالنهج الديمقراطي وآلياته المشروعة.ورغم كل المحاولات العبثية الممنهجة والواضحة وضوح الشمس والتي مورست دونما داعٍ لإسكات الرأي العام وتخويفه والتضييق عليه تارة، والتعتيم على الحقائق والتمويه على الوقائع تارة أخرى، إلا أنه تجاوزها بوعي وإدراك وأصر على طرح الأسئلة الصعبة التي جربت المحاولات خنقها والقفز عليها. وحين استنفد الرأي العام ما هو متاح له، الكرة الآن في ملعب السلطة التشريعية لتفعيل ما هو متاح لها للبحث عن إجابة على جميع الأسئلة التي صمتت السلطة التنفيذية عن الرد عليها حين طرحها المجتمع البحريني بالوسائل السلمية المشروعة. إن لم ينتفض مجلس النواب لتفعيل أداوته الرقابية لبحث وضعنا «المالي» فلا «خيرة الله» فيما تبقى له من أيام.وإن لم يتحرك الآن مجلس النواب من خلال اختصاصاته وصلاحياته لمعرفة خارطة الطريق الاقتصادية التفصيلية «رقماً وتاريخاً» سواء التي نحن عليها الآن، ومعها التي نتجه لها للسنوات الأربع القادمة فلا داعي لوجود هذا المجلس.وإن لم يحصل على إجابة للأسئلة العديدة التي تدور حول المخالفات التي أوردها تقرير ديوان الرقابة المالية والأسئلة التي تداولتها وسائل الإعلام كالتي طرحها الزميل هشام الزياني أو الزميل إبراهيم الشيخ وغيرهم وتدور حول تضارب المصالح التجارية مع المناصب السياسية وحول أوجه صرف القروض التي استدانتها الدولة، وحول الوزير المختص بوضع السياسة المالية والاقتصادية للدولة بعد أن فوجئنا أنه خارج الحكومة، إن لم نحصل على إجابة على جميع هذه الأسئلة، فلا داعي لاستمرار هذا المجلس.جميع تلك الأسئلة تضع الحكومة في خانة الاستجواب خاصة أنها تتزامن مع دعوة الحكومة المواطن لشد الحزام وتقديم «مبادرات» لا تتسق مع حجم الهدر وحجم النزف في الأموال العامة، فالهدر والمخالفات والدين العام والعجز تتحدث عن مليارات والحكومة تتحدث عن ترشيد في القرطاسية والإعلانات. ومع احترامنا للشخوص كافة من رأس الحكومة إلى أعضائها الموقرين فلا نشخصن الطرح أبداً، إلا أن المسألة تطال أمن الدولة الاقتصادي وأموالاً عامة تتجاوز الملايين إن لم تكن مليارات، مادمنا وصلنا إلى دين عام قد يصل إلى عشرة مليارات!! فإن المبادرات المطروحة لا ترقى إلى حجم الخطر الذي نلامسه مما يستدعي النقاش العام وتفعيل الإرادة الشعبية عبر أدواته الرقابية من أجل المشاركة في النظر إلى ما نتجه إليه من مخاطر.ورغم أننا لا نحمل جهة محددة المسؤولية لكن من حقنا المشاركة مع الجميع للبحث فيما وصلنا إليه وإلى أين سنتجه، فخطورة الوضع تستدعي المشاركة في صنع القرار والمشاركة في الحل والخروج من حالة الانفراد التام للحكومة التي تزداد حدة هذه الأيام.ما عاد الأمر يحتمل الصمت من الحكومة ولا يحتمل من السادة النواب الانشغال بأداة «الاقتراح برغبة» فتلك أداة تستخدم وقت الرفاهية تتحمل طول المدة للرد عليها وتتحمل الرفض عليها، حتى أداة «السؤال» تعد ترفاً في الوقت الحالي لأن الحكومة تملك صلاحية توظيف المدة المسموحة لها لتمييع الموقف وتضييع الوقت للرد على السؤال، أداة الاستجواب وحدها التي تتناسب وحرج الموقف.وأمام المجلس بعد هذا الذي قلناه الآن تحديات كبيرة لتفعيل هذه الأداة أولها تركيبته العشوائية أصلاً وأضيف لها عامل الانشقاقات والخلافات التي حدثت فيما بين الأعضاء خلال دور الانعقاد السابق جعلت من اصطفافهم حول كلمة سواء تحدياً كبيراً.التحدي الثاني يكمن في التضييق الذي تسبب به المجلس السابق على هذه الأداة وجعلها أقرب إلى طرح الثقة قبل الاستجواب بما تطلبه من إجراءات احترازية تسبق تفعيلها، يجعل تحقيق الاستجواب الآن اقرب إلى المعجزة. ثالث هذه التحديات هو تجهيز الاستجواب نفسه وتوجيهه للوزير المختص والمعني.ونحن بانتظار أن يهدي الله النواب ويجمعهم على كلمة سواء بأن يتعالوا فوق صغائرهم ويتجاوزوا خلافاتهم ويعيدوا الثقة بهم كأشخاص أقسموا على حفظ حقوق الناس ويعيدوا الثقة بالسلطة التشريعية وبالمشروع الإصلاحي لجلالة الملك برمته، إنها أمانة في أعناقكم اليوم، وقد أقسمتم بالله على حفظها «وإنه لقسم لو تعلمون عظيم».