في بداية الألفية الجديدة كانت الحكومات الخليجية أكثر حماساً نحو الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي لظروف تلك الفترة التي شهدت نقاشاً عالمياً واهتماماً لافتاً بمثل هذه القضايا، ولكن الآن يفصلنا عن تلك الفترة نحو 15 عاماً، وصارت الحكومات والنخب السياسية غير مهتمة كثيراً بقضايا الإصلاح السياسي بقدر اهتمامها بقضايا الأمن والاستقرار ومواجهة التحديات الاقتصادية العاصفة بهذه المجتمعات. تلك الفترة شهدت طفرات هائلة اقتصادية في مجتمعات الخليج العربي وهو ما عزز قدرات وإمكانيات الدولة الريعية الخليجية، وهي رغم الاحتياطات النقدية الضخمة كان لديها اهتمام بالإصلاح السياسي، وما نجده اليوم من واقع الأنظمة السياسية كان نتيجة الفترة ما بين 2000 ـ 2014 تقريباً، وهو ما يختلف عن مبدأ الثروة أمام القمع، وهو المبدأ الذي يعني أنه كلما زادت الثروة زادت القدرة على القمع. لم تلجأ دول مجلس التعاون بنموذجها الريعي كثيراً إلى تطبيق هذا المبدأ بعد الألفية الجديدة، بل كانت أكثر انفتاحاً من الناحية السياسية مع توافر الثروات الضخمة. وهو ما عكس قناعة جديدة ظهرت في الأنظمة الخليجية بأن الإصلاح خيار استراتيجي لمواكبة المستجدات الداخلية والخارجية، وإن تفاوت الانفتاح والإصلاح. الدولة الخليجية الريعية ساعدت على تطور الأنظمة السياسية الخليجية كثيراً، فهي أنظمة مختلفة عن حقبة الاستقلال وما قبلها في ستينات وسبعينات القرن العشرين. فهل ستكون فترة ما بعد الدولة الريعية مختلفة، والإصلاح السياسي مستمراً؟ رغم الخصوصية التي تتمتع بها الدول الخليجية في أنظمة حكمها، إلا أن الرغبة والظروف المساعدة للإصلاح السياسي تتفاوت من بلد لآخر طبقاً لمعطيات عدة. وتحوّل العلاقة بين المواطن والدولة سيتطلب تحولات هامة وقد تكون جوهرية. الإصلاحات السياسية ستكون مهمة بقدر الإصلاحات الاقتصادية في مرحلة ما بعد الدولة الريعية، وستكون الدول الخليجية في هذه المرحلة على موعد مع إصلاحات مختلفة من المهم أن تكون مقنعة للمواطنين للحفاظ على ثقتهم وضمان استمراريتها، ومسائل مثل الحكومات ذات الكفاءة ومحدودة أو مقبولة الحجم ستكون ضرورة اقتصادية قبل أن تكون سياسية. شكل الأنظمة السياسية الخليجية لن يتغير كثيراً لاعتبارات عديدة، ولكن إشراك كافة مكونات المجتمعات الخليجية سيكون مطلوباً لتوسيع نطاق المشاركة الشعبية في صناعة القرار، ومن المتوقع أيضاً أن يزداد دور التكنوقراط الذين ستزداد أهميتهم للمرحلة المقبلة كبديل استراتيجي عن أعضاء النخب السياسية التي أدارت الحكومات الخليجية في مرحلة الدولة الريعية. أما بالنسبة للحريات المدنية، وفي مقدمتها حرية التعبير عن الرأي، فإن هناك تفاوتاً متوقعاً في هامشها، ومع ذلك فإن هامش حرية التعبير سيزداد كثيراً إلى مرحلة قد تشكل فيها الحرية المفرطة للتعبير عن الرأي تحدياً أمنياً، ومن القضايا السياسية التي ستكون مهمة مواجهة الفساد بكافة أشكاله وصوره لأنه لم يعد مقبولاً لدى مواطني الخليج استمرار وجود التجاوزات الإدارية والمالية في فترة ما بعد نهاية الريع. هامش الإصلاح السياسي بعد الدولة الريعية سيكون متاحاً، ولكن التحدي الأكبر هو كيفية تكيف الحكومات والنخب والأفراد والقوى السياسية مع المتغيرات الجديدة.