الحقيقة التي ينبغي أن يعترف بها هي أنه لا يوجد في الوقت الحالي في البحرين عمل سياسي، فالجمعيات السياسية التي تمارس العمل السياسي ما عادت قادرة على العمل بعد أن سلمت الأمور لذلك البعض البعيد عن العمل السياسي والدخيل عليه، والذي لا يجيد غير الصراخ والسب واختطاف الشوارع وتعطيل حياة الناس، ويعتقد أن هذا هو العمل السياسي. كما أن الحكومة وبسبب أنها لا يمكن منطقاً التعامل مع جهات غير معترف بها لا تقبل أن تأخذ وتعطي مع هؤلاء الذين ينطبق عليهم الكثير من صفات الإرهابيين تعريفاً. لهذا يسهل القول إن العمل السياسي في البحرين صار معطلاً، وهذا يعني أنه لا يتوفر أفق لحل المشكلة القائمة ولا يمكن عقد جلسات حوار، ذلك أن هذه الجلسات تحتاج إلى وجود معارضة معترف بها وتستطيع أن تحكم الشارع وتفرض عليه مخرجات الحوار، وهذا كله لم يعد متوفراً، فالمعارضة المعترف بها والمتمثلة في الجمعيات السياسية عاطلة، والمعارضة المتمثلة في ما يطلق عليه اسم «ائتلاف شباب فبراير» لا علاقة لها بالعمل السياسي وغير معترف بها، وهي في كل الأحوال لا تبحث عن حلول ولا تريد الإصلاح، فالشعارات التي ترفعها تنادي بإسقاط النظام، ومن يقف وراءها ويدعمها ويمولها يريد منها تحقيق هذا الهدف. نحن إذاً أمام مشكلة غير عادية؛ فالعمل السياسي يحتاج إلى سياسيين، والسياسيون سلموا «الخيط والمخيط» لغير السياسيين، أما غير السياسيين ولأنهم لا يفقهون العمل السياسي لذا فإنهم لا يعرفون قيمته فيستمرون في عملهم الميداني البائس ظناً منهم أن الحكومة ستضطر إلى الاستجابة لمطالبهم المرفوضة من شعب البحرين وليس من الحكومة وحدها. العديد من أعضاء الجمعيات السياسية من المطلعين على خفايا أمورها يؤكدون أن كل محاولاتها لإقناع أولئك بالتوقف عن ممارساتهم غير المفضية إلى مفيد والتي هي تخريب وتصنف في باب الإرهاب باءت بالفشل، وأن أولئك قالوا لها ما معناه أن «لكم طريقتكم ولنا طريقتنا، لكم قناعاتكم ولنا قناعاتنا، وما نراه هو ما نراه. اعملوا ما ترونه صائباً وينفعكم وسنعمل ما نراه صائباً وينفعنا»، وهذا يعني أنه صار أمام الجمعيات السياسية خياران لا ثالث لهما؛ إما أن تطيعهم وتفعل ما يريدونه منها من دون نقاش، أو تسكت وتصير سلبية وكأن الأمر لا يعنيها، وفي الحالتين تكون قد خرجت من اللعبة. عملياً لا يوجد اليوم جميعات سياسية سوى بالاسم، وبالتالي لا يوجد عمل سياسي ولا يوجد أفق للحل، وعملياً لا يمكن للحكومة أن تتواصل وتتعاطى مع ذلك البعض البعيد عن العمل السياسي وغير المعترف به لأنه لا يعمل تحت مظلة القانون مثل الجمعيات السياسية. لهذا فإن العمل السياسي معطل، وهذه إشكالية كبيرة وخطيرة لأن ناتجها العملي هو استمرار الصدام بين الحكومة وأولئك الذين يعتقدون أنها يمكن أن ترضخ لهم بمواصلتهم لطريقتهم المتمثلة في التخريب والإرهاب، وهذا الصدام لا يمكن أن يوصل إلى شيء لأن الحكومة لا يمكن أن تقدم أي تنازل مهما كان صغيراً لمثل هؤلاء، ولأن هؤلاء سيستمرون في عنادهم طالما استمر ذلك الشيطان في تحريضهم وتمويلهم وتشجيعهم وإيهامهم بأنهم يقتربون من «اليوم الموعود». عندما تتحدث مع بعض المنتمين للجمعيات السياسية عن هذه الحال التي صارت فيها هذه الجمعيات والسلبية التي صارت عنوانها يقول لك إن المشكلة أن «الأساسيين» غائبون عن الساحة بسبب صدور أحكام قضائية ضدهم، لكنهم لا يعرفون كيف يردون عليك لو تساءلت عما إذا كان من المنطق أن تعتمد الجمعيات السياسية على أشخاص معينين ولا توفر البدلاء في حال تعطلهم.