ساهم نموذج الدولة الريعية في تأسيس طبقة وسطى واسعة لها خصائصها الكثيرة في المجتمعات الخليجية. بالإضافة إلى أنه ساهم في تراجع حجم الطبقات الدنيا التي تلاشت سريعاً، وبقيت حالات عادة ما يتم تسميتها في هذه المجتمعات بأنها حالات فردية لا أكثر. كما أتاح النموذج نفسه نظاماً يقدم رعاية تشمل أفراد الطبقة الوسطى والطبقة الأقل منها من خلال مؤسسات رسمية تقدم خدمات الرعاية الاجتماعية بمختلف صورها، أو من خلال فتح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني لتمارس دورها وتقوم بنشاط خيري بارز نافس أحياناً الخدمات المقدمة من الحكومات نفسها. خلال الفترة الممتدة من السبعينات وحتى العقد الثاني من الألفية الجديدة، صار حجم الطبقة الوسطى كبيراً للغاية، وباتت هذه الطبقة تواجه مجموعة من التحديات في النموذج الريعي، فقد باتت طبقة منبوذة من الحكومة على اعتبار أن وضعها المادي جيد نسبياً ولا تحتاج كثيراً للرعاية والدعم، وفي الوقت نفسه طبقة لا تجد لها فرصة لتحسين مستوى معيشتها ذاتياً. فعلى سبيل المثال هناك الكثير من الخدمات باتت ممنوعة على هذه الطبقة والسبب الأنظمة والاشتراطات الرسمية، كما هو الحال بالنسبة للخدمات الإسكانية في بعض الدول الخليجية، وهذا مجرد مثال واحد فقط. الآن نمر بمرحلة انتقالية إلى ما بعد الدولة الريعية، فهل ستكون الطبقة الوسطى ضحية لعملية التحول؟ وهل سيختلف هيكل الطبقات في المجتمعات الخليجية؟ وماذا عن الطبقة الدنيا والعليا؟ ثمة صدمة تاريخية مرتقبة ستواجه أفراد الطبقة الوسطى قريباً، وهي مرتبطة بسرعة وتيرة مشاريع رفع الدعم أو إعادة توجيهه التي شرعت بها حكومات دول الخليج. وهذه الصدمة من المتوقع أن تؤثر كثيراً في الطبقة الوسطى التي عانت خلال الفترة الماضية، ومن المتوقع أن تعاني أكثر لاحقاً في مرحلة ما بعد الريع، حيث ستواجه صعوبات معيشية عدة، وقد تتلاشى هذه الطبقة تدريجياً، ومن الممكن أن تشهد المجتمعات الخليجية غياب طبقة وسطى، وهو تحول له تبعاته على المدى الطويل باعتباره تحدياً خطيراً. تآكل الطبقات في المجتمعات الخليجية من أهم التحديات التي ستكون في مرحلة ما بعد الدولة الريعية، وهو ما يتطلب وضع إستراتيجية وآليات تضمن عدم تآكل الطبقة الوسطى تحديداً بمنحها ضمانات لضمان الحد الأدنى من المكتسبات التي كانت تتمتع بها حتى لا تتحول هذه الطبقة إلى كتلة تتطلع لتغيير سياسي راديكالي مستقبلاً، خاصة وأن المسألة مرتبطة بالجيل الثاني وحتى الثالث الذي عاصر الدولة الريعية ولم يعاصر المرحلة التي سبقتها.