من الأنانية بمكان عندما تتعرف على معلومات مفيدة وقيمة وتبقى محتفظاً بها لنفسك سواء عملت بها أو لم تعمل. لذلك لم أخفِ عليكم سراً، فالكنز الثمين في شخصية الرئيس الحادي عشر لجمهورية الهند «أبوالفاخر زين العابدين عبدالكلام» زعيم أكبر جمهورية في العالم، رحمه الله. والذي صنف وليس لقب «برجل الشعب»، «الرجل الذي ينتمي إلى زماننا ولكنه ليس من عالمنا»، «رجل الكلمة لا رجل الخطاب»، «رجل الحلم لا رجل المنام»، «رجل الصاروخ لا رجل الحروب». وحباً للخير لنفسي ولكم، دفعني أن أشارككم جزءاً بسيطاً من خلال مقالتي الأسبوع الماضي «هل توقف عبدالكلام عن الكلام؟» ولأن هذا الرجل رحمه الله يمتلك من المميزات الكثيرة التي تجعله متميزاً عن غيره لا مترفعاً، ارتأيت أن أواصل عنه ولو بالقليل كي نثري جعبتنا الفكرية بما هو ثمين.فحياة «أبوالفاخر زين العابدين عبدالكلام» لم تكن فقط حياة مثالية خالية من الكذب، النفاق، السرقات والنهابات. بل كان رجل حلم واقع لا يحده مكان. فعلى مشهد كثيرين ممن زاروا شوارع دلهي، تجد لافتات عملاقة تحمل صورة عبدالكلام، وكلمات شهيرة له تقول: «ليست الأحلام تلك التي نراها في المنام، بل هي تلك التي لا تسمح لنا بأن ننام». وبالفعل كانت حياته عبارة عن ترجمة لذلك. فقد حلم أول الأمر في أن يصبح طياراً في القوات الجوية الهندية، لكنه لم ينجح في الامتحان. ففشله في الامتحان لم يجعل الحلم في خبر كان. ليدرك بعزيمته أن حبه للطيران قد يتحقق في مجال البحث في علم الصواريخ، فانخرط في المنظمات البحثية العلمية ذات العلاقة بالدفاع والطيران، مثل «منظمة أبحاث وتطوير الدفاع»، و»المنظمة الهندية لأبحاث الفضاء» منذ العام 1958، وتولى قيادة الأولى لحقبة طويلة، وقاد مشروعات كثيرة في مضمار تطوير أنظمة الصواريخ وعربات إطلاق الأقمار الاصطناعية.أحلام عبدالكلام لم تكن وهماً تنشأ في سراب، ولا خيالاً على جدار متهشم في الظلمات، لذا فقد سعى جاهداً أن يترجم الحلم إلى واقع في أن يجعل الهند دولة تتمتع بالاكتفاء الذاتي في تكنولوجيا الصواريخ والأقمار الاصطناعية، فإليه يرجع الفضل في تطوير أول قمر اصطناعي هندي «روهيني»، وتطوير عربة إطلاق الأقمار الاصطناعية 3، SLV-III، وعربة إطلاق الأقمار الاصطناعية القطبية PSLV، وتطوير أحدث أنظمة الصاروخ الهندي «بيرتهيوي»، و»تريشول»، و»آكاش»، و»ناغ»، و»أغني». وإن كانت لا تعنينا المسميات بقدر ما تعلي النتائج، جمهورية الهند التي باتت في مصاف الدول المتقدمة في مجال الدفاع والأقمار الاصطناعية. وقد أدى دوراً قيادياً في ميدان إجراء الهند تجربتها النووية الثانية المعروفة بـ»بوكهران-2» في العام 1998، فأصبحت الهند بذلك دولة تمتلك القدرة النووية.كان عبدالكلام محباً عظيماً لوطنه. نذر حياته لخدمة الهند، وتطوير مسارها العلمي والتكنولوجي على نحو غير مسبوق. وإذا ما كانت الهند قد حققت مكانة قيادية في العالم على مستوى أبحاث الفضاء «وهو ما يبرهن عليه نجاح الهند في الوصول إلى المريخ بكلفة زهيدة، أو تعاونها مع منظمة NASA الأمريكية في عدد من المشروعات البحثية في الفضاء الخارجي»، فالفضل في ذلك كله يعود إلى هذا العالم الجليل الذي ضحى بحياته الشخصية من أجل ترجمة حلمه هذا، وحلم بلاده في آن معاً.