ماذا يعني لنا أن تخسر الساحة الفكرية والأدبية والنخبوية والصحافية والإعلامية رجلاً وقامة كبيرة بحجم الرجل الشريف الفارس الراحل خالد البسام؟ وما عسانا أن نسطر من الكلمات الخالدات بحق الرجل الذي استطاع أن يسطع وسط كل الظلمات العربية الحالكة؟ وما يمكن لقلوبنا المكلومة أن تقول بحق قلم لم يكتب سوى للإنسان؟في زمن المماحكات السياسية والطائفية وكل أمراض الصحافة والكتابة والإعلام في عالمنا العربي، كان البسام يشتغل بمشروع الإنسان العربي عبر تنويره وتثقيفه وإبعاده عن كل المعارك الخاسرة، ولذلك استطاع الخالد الراحل أن يبني له في كل قلب عربي وغير عربي صرحاً من الحب والإعجاب والتقدير، لأنه لم يحاول أن ينشغل بالسياسة التي تنال من عطائه ونبل أخلاقه، فكان شمعة مضيئة وسط العتمة، ونبراس نبل في معارك الشرف، فخرج من الدنيا بحصيلتين، واحدة تتعلق ببناء العقل العربي وأخرى تتعلق بأخلاق عزت في زماننا.يستحيل أن نجد من يتلقط من الموبقات والسيئات والسقطات الإعلامية ضد الرجل «الميزان» صاحب الاتزان، فكل الفرقاء وبكافة اختلافاتهم الفكرية والسياسية والثقافية حزنوا لرحيل قامة من قامات الإبداع الثقافي في البحرين والوطن العربي، فرحيل صاحب الخلق النبيل أوجع البعيد قبل القريب، ولا نريد أن نقول الأعداء قبل الأصدقاء، لأننا على يقين بأن البسام لا يملك في مسيرته المشرفة أي عدو.كلنا يتفق أن الراحل الوسيم خالد البسام، كان صاحب خلق رفيع، وذوق سليم، ولهذا كان لرحيله ألم خاص في خاصرة الجسم الإعلامي داخل العالم العربي، فمن النادر اليوم أن تجد في وسط هيجاء المعارك الإعلامية الحاصلة رجلاً يجمع بين الشهامة والعقل، وبين الرزانة والاتزان والصدق مسطرة واحدة في ذات وقت، فهو لم يؤثر قضايا الانفعال على قضايا تطوير العقل العربي، ولهذا اشتغل بالبناء الفكري والمعرفي والأدبي على أن ينشغل بالتهافت على شؤون السياسة وصداعها المخزي. ومن هذا الوعي بأهمية بناء العقل العربي وترميم ما تبقى من سقطاته، قام بالتفرغ للكتابة الجادة من أجل صياغة مشروع ثقافي يضمن مستقبل الأجيال القادمة على صعيد الفكر والعطاء، فكان له ما يريد.لا نريد أن نسوق للراحل بحسب البروتوكولات الإعلامية التقليدية، لكنه الحب الذي يدفعنا للحديث عن زميل طالما لمسنا منه كل جميل، والأهم من كل هذا الإطراء، هو قدرته الفائقة في فرض مدرسته الخاصة داخل الجسم الإعلامي بتميز واقتدار، فحين نذكر البسام، فإننا نذكر لوناً ليس كبقية الألوان، ورجل مختلف عن بقية كل الرجال، فلنا منك أيها الفارس الراحل كل الحب والتقدير والاحترام، وستبقى في قلوبنا أيها الباسم كنسر يحلق بنا في فضاءات المعرفة والحكمة والإبداع والإنسانية، وستظل شمعة تنير لنا بقية الطريق.