يتساءل البعض عن الفائدة من طرح موضوعات وأفكار ترمي إلى التقريب بين وجهات نظر الفرقاء المتصارعين منذ نحو خمس سنوات، خصوصاً أنه صار لكل فريق جمهوره الذي يصعب أن يقبل بأي تغيير في موقفه. هذا البعض وصل إلى حالة اليأس التي يفترض ألا يصل إليها أحد لأن هذا يعني استمرار الصراع إلى ما لا نهاية وإزالة المساحة المشتركة التي يمكن الاتكاء عليها للتوصل إلى ما قد يعين على الانطلاق نحو حل يرضي الجميع.التوقف عن طرح أفكار لتحقيق هذا الهدف يعني بقاء الحال على ما هو عليه ودفعه نحو مزيد من التعقيد، وهذا ليس في صالح الوطن والمواطنين. استمرار الوضع الحالي يعني استمرار الانقسام وزيادة الشرخ والوصول بعد قليل إلى مرحلة كسر العظم، كما هو الحال في سوريا، التي لم تعد الأطراف ذات العلاقة فيها تقبل بمناقشة أي فكرة حتى والجميع يعلم أن استمرار الحال على ما هو عليه يعني مزيداً من التدمير ومزيداً من الضحايا وألم لا ينتهي.التوقف عن طرح الأفكار والمشروعات القابلة للمناقشة والدرس والبحث جريمة في حق هذا الوطن، وعدم اهتمام الأطراف ذات العلاقة بما يطرح من أفكار ومشروعات للخروج من هذه الأزمة ورفض مناقشتها ودراستها وبحثها جريمة أكبر، ذلك أن السكون يفضي إلى الموت بينما الحركة قد تقود إلى نهاية مفرحة، فالحركة على الأقل توفر الأمل الذي لا يوفره السكون. مهم جداً مشاركة الجميع في طرح الأفكار والمشروعات، ومهم جداً عدم ابتعادها عن الواقع واحتوائها على ما يدفع كل الأطراف ذات العلاقة إلى التفكير فيها، أي أن من المهم ألا تكون منحازة أو متطرفة أو خيالية، كما إن على الأطراف ذات العلاقة أن تؤمن بأنه لا يمكن التوصل إلى فكرة تكون على المقاس بالضبط، ذلك أن كل فكرة ستتطلب تنازلات لأنه من غير التنازلات لا يمكن التوصل إلى شيء، تماماً مثلما أنه من دون طرح الأفكار لا يمكن الدرس والبحث في المخارج. هل نحن بحاجة إلى جلسات عصف ذهني؟ بالتأكيد نعم، جلسات على كل المستويات ومن قبل الجميع. لنتصور أن طرفاً من الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة قرر عقد جلسات عصف ذهني لكل المنتمين إليه وليس للأعضاء الأساسيين فيه فقط كمجلس الإدارة مثلاً، وعلى مدى أيام، ألا يمكن مثل هذه الجلسات أن تخرج بفكرة واحدة تحتوي على ما يدفع الأطراف الأخرى إلى الاهتمام بها والتفكير فيها؟ لنتصور أن الجميع اتفق على تخصيص أسبوع للعصف الذهني وسمي بهذا الاسم، ألا يمكن أن ينتج مفيداً؟ لعل من المهم أن يؤمن الجميع بأنه كما أن النار من مستصغر الشرر، كذلك فإن الحلول من مستصغر الأفكار. لم لا؟ وقد يأتي بالفكرة الأهم من لا يتوقع أن يأتي بشيء من هذا القبيل. مهم جداً ألا نتوقف عن طرح الأفكار، ومهم جداً دراسة كل فكرة والبحث في تفاصيلها ومناقشتها فلعلها تفتح طريقاً نحن غافلون عنها. التوقف عن طرح الأفكار يعني الجمود، والجمود يعني بقاء الحال على ما هو عليه، وهذا يعني باختصار استمرار الأزمة، ويعني الابتعاد عن حالة الاستقرار، ويعني المزيد من التشدد والتطرف والتعقيد والمزيد من الألم الذي لا يستحقه هذا الوطن ولا يليق بهذا الشعب الهادئ بطبيعته والمحب للجميع. لا بأس أن يقال إن هذه الفكرة أو تلك فاشلة أو ضعيفة، المهم أن تكون هناك أفكار وأن يستمر تدفقها، وأن يستمر المعنيون بدراسة كل ما يطرح من أفكار مهما كانت بسيطة أو حتى سهل تصنيفها في الباب الآخر.