أحداث دامية عاشتها باريس من تفجيرات إرهابية يمكن وصفها بأنها «سبتمبر أوروبا» نتوقع أن تغيّر من فهم القارة العجوز لما يجري في الشرق الأوسط الجديد.عندما صدمنا بسبتمبر أمريكا أعلنت واشنطن الحرب العالمية ضد الإرهاب، وسرعان ما تم التنظير للشرق الأوسط الجديد الذي سيكون واحة من الديمقراطية والسلام والرخاء. ولكن الواقع كان مغايراً تماماً، فالجهود التي اعتبرت هدماً للديكتاتورية جاءت بفوضى عارمة لم تنته بعد، ولا يتوقع أن تنتهي سريعاً، والديكتاتوريات السابقة لم تنشر الفوضى بقدر ما نراه الآن من هدم للدول وإعادة تقسيم أخرى وزيادة عدد الدول الفاشلة عربياً. كل هذه الفوضى قادت الشرق الأوسط إلى الفوضى وساهمت في بروز كيانات متطرفة وراديكالية تتبنى أيديولوجيات ثيوقراطية مثل القاعدة وداعش. وبعد نشوة واشنطن بالربيع العربي وما اعتبر آنذاك «انتصار الديمقراطية على الاستبداد»، ومقتل مئات الآلاف، وهجرة الملايين دون اكتراث غربي أو أممي. عادت النتيجة مجدداً إلى أوروبا التي صدّرت الآلاف من الإرهابيين الذين انخرطوا في التنظيمات الإرهابية في المنطقة، ولا يتوقع أن يتوقف المشهد، فبقدر ما تُصدر أوروبا إرهابيين إلى داعش والقاعدة، فإنها ستحصد عشرات مضاعفة من اللاجئين الهاربين من جحيم الإرهاب مع فرص كبيرة لتسلل المئات من الإرهابيين بين هؤلاء سواء كانوا لاجئين أم مواطنين أوروبيين عادوا من مناطق الصراع في الشرق الأوسط. من افتعل الفوضى الخلاقة في المنطقة معروف، ولا يمكننا تجاهل الدور الأمريكي تماماً في كل ما حدث ويحدث أو سيحدث، لأن المصالح والسياسات واضحة ومعروفة عربياً وكذلك أوروبياً. والسياسة الأمريكية منذ بداية الألفية نشرت التطرف وأثارت النعرات العنصرية والطائفية في الشرق الأوسط، وواشنطن ليست جادة بمواجهة الإرهاب في المنطقة، وأبرز الأمثلة عدم مواجهتها مصادر قوة داعش (آبار النفط وشبكات الاتصالات) والاكتفاء بهجمات جوية للاستهلاك الإعلامي. الضحية في هذا كله هم العرب، وأيضاً الأوروبيون الذين اكتووا بنار الإرهاب، دون أدنى تحرك أو محاسبة لمن افتعل الفوضى الخلاقة ونشر التطرف. وبات العرب يتوجهون نحو الروس لأنهم أكثر جدية ووضوحاً في التعامل مع قضايا المنطقة رغم التباينات بعد الإصرار الأمريكي على معالجة الفوضى بالفوضى. أوروبا تدفع الآن ثمن صمتها، وإذا لم يكن لها موقف جدي من قضايا الشرق الأوسط والسياسة الأمريكية المثيرة للجدل فإن فاتورة القارة العجوز ستكون مكلفة أكثر للأسف.
Opinion
متى تصحو القارة العجوز؟
16 نوفمبر 2015