مؤلم أن تنهي يومك على أخبار العمليات الإرهابية التي أودت بحياة عدد غير قليل من الأبرياء وتصبح على خبر عن وقوع عمليات إرهابية أودت بحياة مجموعة أخرى منهم. تضع رأسك على الوسادة وأنت تفكر في كيف قرر الإرهابيون وضع النقطة في نهاية سطر حياة الأبرياء في بيروت وأنهوها من دون أن يكونوا قد اقترفوا ذنباً يستوجب ذلك، ثم ترفع رأسك عن الوسادة لتسمع وترى كيف أن الإرهابيين قرروا عمل الشيء نفسه مع أبرياء آخرين في باريس. مؤلم أن يحدث كل هذا، ومؤلم أكثر ألا يجد العالم بكل ما يمتلكه من قوة وذكاء الوسيلة لوضع حد لهذا الذي كان يحدث مرة هنا أو هناك في فترات متباعدة وصار يحدث يومياً في كل مكان. اليوم وصل الناس في العالم كله إلى مرحلة أنهم صاروا يخافون الخروج من بيوتهم، دون أن يعني هذا أنهم لو لم يخرجوا سيكونون في مأمن من الإرهاب، فالإرهاب يمكن أن يصل إلى منازلهم، واليوم وصل الناس في العالم كله إلى مرحلة أنهم صاروا يخشون السفر لأنهم قد لا يعودون إلى بلدانهم أو يعودون في توابيت، فتأثرت السياحة بل تكاد تنتهي. إرهاب يقض مضجع العالم، أسبابه ليست خافية ومعروفون أولئك الذين ساعدوا على وجوده، لكن الواضح أن العالم يبدو عاجزاً إزاءه وعلى غير دراية بالكيفية التي يمكن بها وقف نمو هذا الوحش وإعاقته والقضاء عليه. اليوم يعاني العالم كله من الإرهاب؛ داعش من جهة، القاعدة من جهة، طالبان من جهة، ومنظمات إرهابية أخرى صار صعباً حصرها، تهاجم من كل جهة كل من هو مختلف عنها حتى لو في التفاصيل وتحصد أرواح الأبرياء بطريقة عشوائية وبكل ما أوتيت من شيطنة. إلى أين يسير العالم؟ لا أحد يدري، ولم يعد أحد يدري ما الذي يراد للناس. ليس صحيحاً أن الإرهابيين يستهدفون المنتمين إلى هذا المذهب أو ذاك فقط، فضحاياهم من مختلف المذاهب، وليس صحيحاً أنهم يستهدفون ديناً دون آخر، فضحاياهم من مختلف الأديان. الإرهاب لا يستهدف فكراً معيناً ولا بلداً معيناً، فالمهم عند الإرهابيين هو حصول العمليات الإرهابية وجعل العالم كله يقف على رجل واحدة فلا يعرف الاستقرار ولا يشعر بالأمان. المرحلة التي يمر بها العالم اليوم والتغييرات المتسارعة التي صارت سمتها صار يصعب حتى على السياسيين المحنكين معرفة ملامحها وتفاصيلها ونهايتها، لم يعد أحد يعرف إلى أين تسير الأمور وكيف ستنتهي، ولم يعد أحد يعرف لماذا نفذت هذه العملية أو تلك وفي هذا الوقت أو ذاك، ولم يعد أحد يعرف أين هي الحقيقة؟. الحقيقة الوحيدة الواضحة للجميع هي أن هناك إرهابيين وأن هناك إرهاباً وعمليات إرهابية تنفذ في كل مكان وفي كل ساعة ومن دون معرفة الأسباب أو الفاعلين إلا أن اعترفوا ونسبوا الفعل إلى أنفسهم لسبب أو لآخر. لم يتوقع أحد أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم بل لم يتخيل أحد حدوث مثل هذا الذي صار يحدث في كل يوم، فما يحدث غريب على العالم وعلى التاريخ، وكل ما سيأتي سيكون كذلك وسيصعب تصديقه وفهمه. هذا يعني أن الإنسان وكل ما بناه طوال السنين الماضيات من عمر البشرية صار معرضاً للفناء، ويعني أن كل بناء سيأتي لاحقاً لن يقام على أساس ولا قيمة له، ويعني أن الفناء سيشمل بقية القيم التي لاتزال تصارع من أجل الوجود. مؤلم أن يحدث كل هذا، ومؤلم أكثر رؤية كل هذا والاكتفاء بالفرجة.