لا تنظروا إلى قمة الهرم، فالمشاكل الاجتماعية يجب أن ينظر إليها من القاع، هذا ما جال في خاطري وأنا أتابع إعلان المجلس الأعلى للمرأة عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحماية المرأة من العنف الأسري في لقاء إعلامي عقد أمس الأول، بالتزامن مع مناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة الذي يوافق الخامس والعشرين من نوفمبر، هذه الاستراتيجية الوليدة من رحم الاستراتيجية الأم وهي الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية برؤية مفادها حفظ أمن المرأة الأسري من أجل مجتمع مستقر.هذه الاستراتيجية التي إذا ما قام الشركاء بدورهم في تطبيقها بالشكل الفعال، فسوف تكون بمثابة السند التطبيقي لقانون حماية الأسرة من كافة أشكال العنف الذي صدر مؤخراً، وبمثابة الأداة التي تساعد على تطوير التشريعات المعنية بالعنف الذي قد يمارس ضد المرأة في محيطها الأسري، وتجويد الخدمات المقدمة من رعاية وتأهيل، وتنويع وسائل الحماية.إن كل ما قام به الفريق (البحريني) المميز هو جهد مشكور يستحق التقدير فعلاً، فهذا النفس في التعاطي مع قضايا المرأة والأسرة هو ما نحتاجه إن أردنا صلاح المجتمع، ولكني سأتوقف عند موضوع الإحصائيات المعتمدة، حيث يرغب المجلس تثبيت الإحصائيات الواقعية لحالات العنف، وتوحيد البيانات الوطنية لتوفير أوجه المعالجة الصحيحة، وعليه جاء في الاستراتيجية تضمين بيانات وزارة الداخلية ووزارة الصحة والمجلس الأعلى للمرأة معد هذه الاستراتيجية فقط، وفي المقابل تم توضيح الجهات ذات العلاقة بالموضوع المطروح -في الاستراتيجية نفسها- إضافة إلى ما تقدم سالفاً من جهات تم توضيح كل من وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية ومؤسسات مجتمع مدني، فلماذا لم يتم تضمين بيانات هذه الجهات جميعها للحصول على رصد أكثر واقعية ودقة لقضيتنا المجتمعية التي تظهر منها قمة الجبل ولا نعلم بعمق ما هو خافٍ.ولأتوقف عند مؤسسات المجتمع المدني، فهي الضليعة في العمل الأهلي منذ عشرات السنين رغم قلة مواردها وإمكانياتها والتحديات التي تواجه عملهم التطوعي الصرف، فمركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري أنشئ منذ عام 2007، أين هي إحصائياته من هذه الاستراتيجية؟ وبالمثل كل من مركز أوال للمساعدات القانونية التابع لجميعة أوال الذي افتتح في عام 1998، ومركز بتلكو لرعاية العنف الأسري الذي أنشئ عام 2005 ومركز الإيواء التابع لجمعية حماية العمالة الوافدة الذي بدأ عمله من 2005، وباقي الجمعيات النسائية التي تهتم بهذا الملف وتستقبل حالات ولكن بصمت، أليست كلها مؤشرات مهمة يجب وضعها في الحسبان؟وللتأكيد على فكرة أهمية النظر إلى القاع، وتلمس حجم المشكلة والاهتمام بالنظر إلى جميع معطياتها الرسمية والأهلية على حد سواء، يجب العودة إلى تعريف إعلان القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي نص على أن العنف: «أي عمل مبني على أساس النوع، والذي يؤدي أو احتمال أن يؤدي إلى أذى مادي أو جنسي أو معنوي أو معاناة للمرأة، ويشمل التهديد بهذه الأفعال والإكراه أو الحرمان من الحرية سواء كان حدوثه في الحياة العامة أو الخاصة»، وسأضع هنا خطوطاً حمراء تحت كلمات مفتاحية تبين لنا أن المسكوت عنه أكثر بكثير عن المصرح به، (أي عمل)، (احتمال أن يؤدي)، (أذى مادي أو جنسي أو معنوي)، وكلها كلمات مفتوحة تبين لنا أبعاد هذه القضية الشائكة، وتعزز فكرة أن هناك ما هو مسكوت عنه في دهاليز مجتمعنا، مستتر داخل جدران بيوتنا.أما العنف الأسري فحسب منظمة الصحة العالمية ، جاء النص: «كل سلوك يصدر في إطار علاقة حميمة ويسبب أضراراً أو آلاماً جسمية أو نفسية أو جنسية لأطراف تلك العلاقة»، وهنا أيضاً أضع خطاً أحمر عريضاً تحت كلمة (أضرار أو آلام نفسية) قد تكون واضحة للعيان وقد تكون كامنة في الأنفس لم يصرح بها بعد، علماً بأن العنف النفسي هو كل فعل يؤدي إلى أضرار نفسية للمعتدى عليه، بما في ذلك السب والقذف والتهديد والإكراه والتخويف، فكيف نقيس كل ذلك داخل بيوتنا؟!