لست ضد المصالحة بل من أنصارها ومن أكثر المتحمسين والمؤيدين لها قلباً وقالباً، وأرى أن المصالحة أمر بات ضرورياً، ولابد منه، فإذا كانت المصالحة ستجعل وطني ينعم بالأمن والأمان وستصرف عنه شبح الطائفية وتمزيق النسيج الوطني، فوالله العظيم، وحياة دماء كاشف منظور ومحمد فاروق عبدالصمد وـحمد المريسي وماجد أصغر وراشد المعمري، سأدعمها بروحي ودمي، فليست أغلى من أرواح رجال الأمن الذين استشهدوا أو جرحوا على يد ميليشيات إيران.هل يعني كلامي هذا أن ننسى ما حدث بالأمس؟!.. هل يعني ذلك عفا الله عما سلف؟!.. أعتقد أنني آخر شخص يمكن أن تنتظر منه ذلك، وصحيفة مقالاتي ومواقفي التي مازلت أدفع ثمنها تشهد لي بذلك، هنا ستظن، وبعض الظن ليس إثماً، بأنني ضد المصالحة.بالله عليك، المصالحة مع من؟ هل هي مع الفقيدة الراحلة «جمعية الوفاق»؟ سؤال موجه إلى أولئك الذين يقدمون اليوم مشروع المصالحة ببلاهة ووقاحة في صحيفتهم.من قال لكم إن غاية المراد من رب العباد أن تتم مصالحة دون حساب؟ هل المطلوب منا أن ننسى ونفوت «ويا دار ما دخلك شر»؟ لا والله، لن ننسى، فالجرح غائر ومازال ينزف، لم يندمل..أعرف أنني كنت مفرطاً أحياناً في الهجوم على «الوفاق»، ووصمت قياداتها الدينية والسياسية ومؤسسيها بالخيانة، وقد أكون أسأت إليهم لكنني لا أجد نفسي راغباً في الاعتذار لهم لأنني مقتنع بكل ما كتبته عنهم حتى هذه اللحظة.عفواً، العفو!.. أي عفو؟ هل ممكن أن تعفوا عن قتلة أبنائكم من رجال الأمن؟ سؤالي هذه المرة موجه لأهل «الفاتح»، هل يمكن أن تعفو والدة طارق الشحي عن قتلة ابنها؟ هل سيعفو عنهم طفل الشهيد عبدالواحد سيد محمد فقير؟ هل ستعفو عنهم أرملة الشهيد علي محمد علي زريقات؟ هل سيعفو أبناء المعمري عنهم؟الذين يدعون إلى فتح صفحة جديدة وترك الماضي والالتفات للمستقبل، كان من الواجب أن يدركوا أن قصة الأمس تحتاج إلى نقطة تختمها، حتى يتطلع البحرينيون إلى كتابة الكلمة الأولى في قصة المستقبل الذي يطمحون إليه، وإذا كنتم حقاً حريصين على المصالحة، فاعلموا أن تلك الدماء الطاهرة التي لا يساوي ولي الفقيه وأذنابه نقطة واحدة منها، هي دين في أعناقنا إلى يوم الدين.لا تطلبوا منا أن ننظر إلى الأمام وأنتم تجبروننا كل يوم على النظر إلى الخلف، لا تطلبوا منا أن ننسى وأنتم كل يوم تذكروننا بما حدث بالأمس. للأسف يخطئ من يظن أن مشاكل البحرين ستنتهي بالمصالحة، ويخطئ من يظن أن الوطن سيتقدم إلى الأمام طالما لم نحاسب قيادات «الوفاق» على كل جرائمها التي ارتكبتها من أول الدوار إلى اليوم، ويخطئ من يظن أن التفريط في حق رجال الأمن يمكن أن يصنع مستقبلاً آمناً للبحرين، ويخطئ من ينسى أننا نتكلم عن جماعة ولاؤها الأول والأخير لإيران وليس للأرض التي احتضنتهم، ويخطئ من يتخيل أن جماعة ولي الفقيه -«المساكين» الموجودين في السجن ويستحقون العفو والسماح، وبنوا لهم إمبراطوريات مالية وسياسية ولهم خدم وحشم وأعوان وأعيان ومازالت قادرة على تكرار الانقلاب والإيذاء وإشعال الفتن في البلاد- يمكن التصالح معها.علينا أن ندرك ذلك، ونكون صرحاء مع أنفسنا، ونترك عنا مزايدة أولئك الذين يزايدون على وطنيتنا، ويعزفون على السيمفونية السابعة للمصالحة ويرددون: «المصالحة حاجة ضرورية»، فنضيع بذلك حق الشهداء بأيدينا ونمنح أتباع ولي الفقيه فرصة لينظموا صفوفهم ويعدوا العدة لانقلاب جديد، وإذا كانت «الوفاق» -بالفعل- تريد المصالحة، فلتبادر إلى إعلان توبتها وتبرئتها من كل الجرائم وتطلب الصفح والسماح من شعب البحرين.ولشعب البحرين بعد ذلك، أن يقرر، يعفو ويسامح أم لا؟ ترك الجرح النازف بدون تعقيم أو تنظيف ثم الخياطة عليه، لا يساعد على تعزيز الشفاء من الجرح، بل على العكس قد يفاقم من المشكلة في المستقبل، ويتسبب في مضاعفات حتماً ستؤدي إلى فتح الجرح من جديد.يا سادة، أنا لست طالب ثأر، بل طالب عدل، والعدل لا يصنعه إلا القصاص، هذا «وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر».