الخلط بين موقف الشخص من قضية ما، أو رأيه في حدث مختلف، أو اعتناقه لأيديولوجية تختلف عن الأيديولوجية التي يعتنقها الآخر، هي آفة الآفات في العالم، وهي إحدى المشاكل التي تؤدي إلى الحروب الأهلية، ومن الممكن أن تنسف تاريخاً طويلاً من الإنجازات والمكتسبات التي حصل عليها شعب من الشعوب.ونحن دائماً نواصل الخلط بين الشخص، ورأي هذا الشخص، بين كونه كإنسان ويملك سلوكاً مختلفاً عن بقية المجموعة التي ينتمي إليها، بحيث يشكل نوعاً من أنواع الشذوذ عن القاعدة أو يبتعد عن الضمير الجمعي، وهذا ما يدخله إلى خانة المنبوذين، والبعض يصنفه خارجاً عن روح الجماعة، والتي تعني ابتعاده عن النمط العام.وأنا هنا لا أتكلم عن صاحب الرؤية أو القضية، والتي قد تكون اليوم غير معترف بها، ولكن لأنها تتماشى مع القوانين الكونية، فإنها ستصبح في قادم الأيام هي المسيطرة وهي القادرة على إعادة الروعة لجمال العالم الذي سيطر عليه القبح، من خلال مجموعة من الأشخاص، الذين يتصورون أنفسهم هم أصحاب العرق الأنظف كما تصور النازي هتلر في يوم من أيام هذا العالم. من هنا علينا التأكيد دائماً أن سلوك الشخص ليس الشخص، فقد يكون نابعاً من طبيعة الحياة التي أوصلته إلى اتخاذ مثل هذا الموقف أو تكوين هذا الرأي، أو بسبب البرمجة اليومية التي برمج بها، من والديه وأخوته وأهل الحي والمدرسة والإعلام المقروء والمسموع والمرئي.لذلك عندما أكره موقفاً أو رأياً يقوله الإنسان الآخر، لابد من التفرقة بين الرأي أو الموقف من طبيعة هذا الإنسان، خاصة بالنسبة لمن يزايد بمسألة الإيمان بالله، فقد جعل الله سبحانه وتعالى الناس سواسية منذ لحظة وجودهم على هذه الأرض، كل واحد منهم يحمل نفس الصفات ويحمل شيئاً من روح الله الذي نفخ في روح أبيه آدم، وبالتالي فالجميع يحمل هذا الجوهر الروحي في داخله. ومن القصص الواقعية التي لا بد لنا من التوقف عندها، وتأملها، وقراءتها بعين الاعتبار، إحدى القصص الواقعية التي عرفها تاريخنا العربي وأخلاقنا العظيمة التي تشربنا بها منذ رضاعتنا، تأمل الموقف وروعة الأخلاق عند الإمام محمد بن إدريس الشافعي، حيث يحكى أن «يونس بن عبد الأعلى - أحد طلاب الإمام الشافعي - اختلف معه في مسألة أثناء إلقائه درساً في المسجد، فقام يونس بن الأعلى غاضباً، وترك الدرس، وذهب إلى بيته، فلما أقبل الليل، سمع يونس صوت طرق على باب منزله، فقال يونس: من بالباب؟ قال الطارق: محمد بن إدريس، قال يونس: فتفكرت في كل من كان اسمه محمد بن إدريس إلا الشافعي، قال: فلما فتحت الباب، فوجئت به، فقال الإمام الشافعي: يا يونس تجمعنا مئات المسائل، وتفرقنا مسألة؟!».لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات، فأحياناً كسب القلوب أولى من كسب المواقف، ولا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها، فربما تحتاجها للعودة يوماً ما. دائماً اكره الخطأ، لكن لا تكره المخطئ، أبغض بكل قلبك المعصية، لكن سامح وارحم العاصي، انتقد القول، لكن احترم القائل، فإن مهمتنا هي أن نقضي على المرض، لا على المرضى.إذا وصلنا إلى مرحلة الوعي، بأننا أرواح جاءت إلى العالم أو الدنيا، لتمر بتجربة إنسانية أو دنيوية، وأن علينا إنجاز مهمة أرضية، فإن هذا الوعي هو ما سوف يقودنا إلى أن نتعلم، إننا كلنا مخلوقات الله، ولا يوجد هناك من أفضل منك، إلا من خلال العمل الصالح الذي تقدمه لأهلك ومجتمعك والمجتمع الإنساني بصورة عامة. اعمل الخير، ولا تنتظر أي شيء، حين تكف عن الانتظار سيقوم خيرك الذي يملأ فراغات الفضاء والأرض، بالعودة لك وهو يحمل أضعافاً مضاعفة مما قدمت، فقط افعل الخير، افعل.
Opinion
اقض على المرض.. لا على المرضى
27 نوفمبر 2015