كان متواضعاً جداً، فعندما هممت بالتحدث معه، اجتمع حولي حرسه الخاص محاولين إبعادي، إلا أنه أمرهم بالابتعاد وإتاحة الفرصة لي للتحدث معه، كان شعوراً من السعادة يخالجه الكثير من الارتباك. فهيبته كبيرة كحجم مكانته في قلوبنا، دنوت منه على حرج، قالي لي: تفضلي، بماذا تأمرين؟! أنا آمر!! العفو «طال عمرك»، ابتسم وقال: تفضلي، أفصحي عما لديك. استجمعت الجملة وتركيبها وسياقها وقلت له «لدي أمنية»!! أعتقد أنها بسيطة!! أتمنى أن تأذن لي طال عمرك أن آخذك في جولة في البحرين!! اتسعت مقلتاه وابتسم وقال، أعرف البحرين جيداً!! قلت له: لا أشك في ذلك طال عمرك، ولكني أريد أن أريك البحرين بعيوني، أريد أن أريك بعض المشاهد والأماكن التي أظن أنك لم تشاهدها من قبل!! إنها أمنيتي طال عمرك!! فلا تردني خائبة. أشار برأسه بأنه موافق، ودعاني للتفضل للصعود معه في سيارته الفارهة، فقلت له على استحياء، كنت أفضل أن تأتي معي في سيارتي المتواضعة، لنبتعد عن الرسميات، فما أريد أحداً أن يعرف أنك بصحبتي لكيلا تفسد أمنيتي. قال لي: أين هي سيارتك فأشرت له بأنها قريبة من هنا، فسار معي إلى مكان السيارة. أذكر أنني قرأت دعاء ركوب السيارة أكثر من مرة، واسترجعت سيناريو كيفية قيادة السيارة مئات المرات في عقلي، فمن معي له مكانة خاصة في قلوب جميع البحرينيين، انطلقت به إلى مدينة المحرق، هذه المدينة العريقة الرائعة، التي كانت عاصمة البحرين سابقاً، وبالتحديد إلى المحرق القديمة، دخلت بسيارتي في أحد «الشوارع»، فقال لي: أمتأكدة بأنه من الممكن الدخول بالسيارة في هذا الممر الضيق؟ قلت له: طويل العمر هذا شارع ذو اتجاهين. قال: ذو اتجاهين.. لا تبالغي؟ إن سيارتك تكاد تصطدم بالجدار! كيف ذلك؟! فابتسمت وقلت له: ألم أقل لك بأنني سأريك البحرين التي لم تعرفها من قبل!! كان مستغرباً وهو يشاهد كم البنايات الموجودة في هذه الأحياء الضيقة، هذه البنايات التي يقطنها عدد كبير من الجاليات، دون أن تكون هناك خدمات متوفرة لخدمة هذا العدد الكبير من القاطنين فلا مواقف سيارات ولا شوارع مرصوفة ولا منافذ تستطيع أن تنفذ لها سيارات الإسعاف والحريق في حالات الكوارث لا سمح الله. كان المكان أشبه «بالعشوائيات السكنية» وقد كانت مياه الأمطار تشكل بحيرات ساهمت في تجمع عدد كبير من الأوساخ. فالتفت وقال لي: لم أعتقد أن الموضوع بهذا السوء!! فلربما أن المكان قديم!! ولربما أن المسؤولين يحاولون العمل جاهدين في إيجاد حلول لهذه المناطق السكنية القديمة!! فقلت له «لربما»!! فلنذهب إذا لمكان حديث «فلربما» كان الوضع مختلفاً. لم أشأ أن «أكدر» صفو خاطره، فأنا أؤمن بأنه يحمل الكثير من الهموم، فهو من يحمل همومنا وهو من يحاول جاهداً أن يجعل أيامنا القادمة أفضل ولكن هناك أموراً لا يستوجب التعرف عليها من خلال ملف أو تصميم للمشروع، هناك أمور تستدعي أن نكون في قلب الحدث وأن نتعرف عليها بأنفسنا دون أن يكون بيننا وبين المشكلة «وسيط» قد يجمل لنا الوقائع. وبعد عناء وجهد جهيد في الوصول إلى منطقة حديثة، وصلنا إلى «رفاع العز» وتحديداً إلى أحدث مشروع سكني فيها «وادي السيل»، هذا المجمع السكني الرائع والمتكامل، وما أن بدأت بالدخول هناك إلا وأمرني بالتوقف!! قال لي «قفي، سيارتك غير مؤهلة للدخول في هذا الارتفاع من المياه!! ما الذي حصل هنا؟؟ ولماذا تجمعت مياه الأمطار وغطت البيوت؟؟ قلت له: طال عمرك، ليست لدي إجابة، المسؤولون يقولون إن خطوط تصريف الأمطار لم تجهز بعد!! استغرب قائلاً: كيف هذا؟؟ لقد أكد لي المسؤولون أننا مستعدون لموسم الأمطار؟؟ كيف لمشروع أن يسلم دون إمداده بكل الخدمات؟؟ وانفعل وبدأت ملامح الغضب تبدو على وجهه!! للأمانة كنت أنوي أن أجوب به العديد من الأماكن، كنت أريد أن أجوب معه البحرين كاملة، كنت أريد أن أريه مشاهد عديدة ومناظر أكثر، كنت أريد أن آخذه في جولة لعدد من المؤسسات وأجعله يرى بأم عينه ماذا يحدث؟؟ وماذا يدور؟؟ ولكني لا أريد أن أزعجه أكثر، فقلت له: هل تأمرني أن أتوقف؟؟ قال: نعم سأنزل هنا!! أعتقد أنني أريد أن أكتشف باقي الأمور بنفسي، شكراً جزيلاً لك فلقد وصلت الرسالة!! استيقظت من نومي على صوت البرق والرعد، وأنا قلقة ومتوترة، فبعض الأحلام من شدة دقتها ووضوحها تشبه الواقع!! تنفست بعمق عندما علمت أنه مجرد حلم!! رحت أردد بصوت مسموع «إنه حلم» إنه «مجرد حلم»!! وقمت أشاهد المطر من النافذة وأنا أدعو الله أن تكون أمطار خير وبركة على بلدي الغالي البحرين، وعلى جميع مواطنيها وسكانها، فلا نريد أن نسمع عن كوارث بسبب «قطرتين» من المطر!! ومبارك عليكم الحيا يا أهل البحرين.