بعد مرور أربعة أعوام من مقتل الرئيس الليبي معمر القذافي، بدأت تتشكل في الأفق مقولته التي أطلقها قبل أيام من سقوطه، إذ حذّر الغرب من أن محاربته ستجر ‏الويلات على الدول الأوروبية وأن سقوطه يعني سقوط الحائط ‏الذي يمنع موجات الهجرة الكثيفة وانتشار فكر التطرف.‏وكلا الأمرين تعاني منهما أوروبا راهناً، من موجة الهجرات وقوافل اللاجئين الكثيفة إلى أحداث «شارلي إيبدو» وتفجيرات باريس، والخوف من الآتي أكبر.ليبيا تضم بين جنباتها العديد من التنظيمات المتطرفة المسلحة، حتى منذ قبل انهيار النظام، لكنها لم تكن تستطيع أن ترفع رأسها في ظل وجود القذافي الذي كان يكمشها بعنف.الجماعات التي تتخذ من العنف وسيلة للتعبير عن رأيها، تنمو وتترعرع في ظل «اللانظام» الذي يمدها بطاقة الخروج على القانون ومخالفة أنظمة المجتمع بعاداته وتقاليده وقيمه، لذلك حينما انهار النظام الليبي تنفست هذه الجماعات الصعداء، وهبت واقفة، في ظل تقريبها بدايات الثورة من الفاعلين على الأرض توحيداً لهدف إزاحة نظام القذافي، لكنما متأخراً اكتشف هؤلاء الفاعلون خطل رهاناتهم، فهيمنة بعض الجماعات المتطرفة على مناطق كاملة في أنحاء مختلفة من ليبيا، ومنذ حينها تشهد ليبيا نشاطاً متنامياً للتنظيمات المتطرفة.وأصبحت ليبيا قبلة لتنظيمات المتطرفين والجماعات المسلحة من كافة أنحاء المعمورة، يأتونها هرباً، ويأتونها دعماً، والعديد منهم يتبع لتنظيم «داعش»، منها جماعة ليبية تسمى «مجاهدي ليبيا»، وهي من الجماعات المسلحة العابرة للحدود، وتتمركز في منطقة الصحراء الليبية الجنوبية، وأهم مدنها الكفرة في الجنوب الشرقي وسبها وغات في الجنوب الغربي، وتنظيم «جند الخلافة « الذي يتركز في الجزائر بالأساس ولكنه يشكل محور دعم لـ»دواعش ليبيا»، حيث أرسل من قبل برقية إلى البغدادي تضمنت ما أسماه التنظيم «الانحرافات العقدية لتنظيم أنصار الشريعة» بعد مقتل الزهاوي.وتشير تقارير إلى أن تنظيم «داعش» ترك بصماته في مدن بنغازي وسرت ‏وطرابلس وأجزاء من جنوب ليبيا، وفي طرابلس، استفاد من الهدوء النسبي للقيام ‏بأنشطة «الدعوة». ‏ إن وجود تنظيم «داعش» في ليبيا أكثر بكثير مما يتصوره بعض المراقبين والمحللين، فالأمر يتلخص في وجود جغرافي أمثل يغيب فيه القانون، وتغيب فيه سلطة الدولة القوية القادرة على مواجهة الجماعات المتطرفة، وسبق لقائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا الجنرال ديفيد رودريغز أن كشف عن وجود معسكرات تدريب في المناطق الواقعة شرق ليبيا تابعة لتنظيم «داعش».ويأتي هؤلاء المتطرفون كذلك، لأن هناك مجموعات نجحت في فرض هيمنتها على مدن كاملة، خاصة بعد وصول المقاتلين الليبيين من سوريا، الأمر الذي جعل ليبيا مكاناً جاذباً للمتطرفين المنتشرين في مناطق مختلفة بالمنطقة. ويبدو أن استراتيجية التنظيم تنحو لاختيار جغرافية مغايرة لأرض الشام والعراق، في حال تم ضربها هناك، لتكون بديلاً تكتيكياً، لذلك فإن ليبيا أكثر المناطق المهيئة من غيرها لتكون حاضنة الدولة «الداعشية» الجديدة، خاصة في ظل عدم توصل أطراف النزاع إلى اتفاق حتى الآن.وتأكيداً لذلك فإن معلومات استخباراتية تداولتها أجهزة أمنية في عدد من البلدان ‏الغربية والعربية ونقلتها الجزائر إلى تونس ومفادها أن 5 آلاف ‏عنصر من عناصر تنظيم «داعش» في سوريا توجهوا ‏على دفعات منذ بدء الضربات الجوية الروسية، إلى الحدود الليبية-التونسية.وعلى ذلك الأساس جاءت تحذيرات وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان الذي حذر من أن ‏عدم توصل أطراف النزاع الليبي في طرابلس إلى اتفاق لتشكيل ‏حكومة وطنية سيؤدي إلى انتصار تنظيم «داعش».‏وفي حال توصلت الأطراف الليبية إلى اتفاق، فإن غرب السودان، خاصة دارفور، ربما يكون مرشحاً لنزوح «داعشي» كثيف، ضمن مناطق أخرى تشمل تونس والجزائر، ما لم تنجح الحكومة السودانية والحركات المسلحة من التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب هناك.