قول وكيل وزارة الأشغال أحمد الخياط إن «البحرين لن تصرف ملايين الدنانير على شبكات ضخمة خصيصاً لمياه الأمطار لأن الأمطار لا تهطل بشكل مستمر على البحرين وأن الأولى الصرف على مشاريع أخرى كشبكات الصرف الصحي» قول مهم وإن لم يكن جديداً، وهو يعبر عن النظرة الواقعية للحكومة، فمن غير المعقول أن تخصص مبالغ طائلة لتوفير شبكة لصرف مياه الأمطار التي تعتبر شحيحة وقد لا تأتي البحرين في كل سنة، حيث الأولى بالفعل اعتماد تلك المبالغ لإنشاء مشاريع أخرى يستفيد منها الجميع.من يسافر من أهل البحرين إلى دول أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول التي تأتيها الأمطار بسخاء يدهش من عدم رؤيته للبرك والمستنقعات التي يراها هنا بل يستغرب من عدم رؤيته لآثار الأمطار بعد توقفها بقليل ويتساءل عن سبب عدم توفر هذا الأمر في بلادنا. أما الجواب فمعروف وواضح وهو أن تلك البلدان تأتيها الأمطار معظم أيام السنة، وبالتالي فإن من الطبيعي أن تخصص مبالغ ضخمة لتوفير شبكات تستوعب مياه الأمطار، بينما لا يمكن -منطقاً- قيام دولنا التي تعاني من شح الأمطار بهذا الأمر وإلا تكون كمن رمى أمواله في الشارع. البحرين تعاني دائماً من قلة الأمطار ومن قلة الشتاء، ولهذا -على المستوى الشخصي- لا يقدم الكثيرون على تفصيل أو شراء ملابس شتوية لأنهم يعرفون أن استخدامها قليل ولا يساوي قيمتها فيقررون تحمل الأيام القليلة التي يأتي فيها البرد ويعتبرون هذا الخيار هو الأفضل. كما أن معظم أهل الخليج العربي الذين يسافرون إلى البلاد الباردة لا يشترون منها الملابس لأنهم يعلمون جيداً أنهم لن يتمكنوا من لبسها في بلادهم وإن أغرتهم طريقة عرضها. نحن إذن أمام مسألة منطقية ملخصها أنه من غير المعقول رصد مبلغ بملايين الدنانير للصرف على شبكة تحمينا من مياه الأمطار بينما تعاني بلادنا من شح الأمطار ومن حاجتها إلى مشاريع أخرى يستفيد منها الناس بشكل أكبر. لكن هذا -منطقاً أيضاً- لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي أمام الأمطار التي تعبر أحياناً عن حبها لنا فتأتي بكثرة، لذا فإن بعض اللوم لابد أن تتحمله الجهات المعنية بالتعامل مع الأمطار وآثارها لأنه من غير المعقول أن ننظر بواقعية إلى مشروع صرف مياه الأمطار فلا نقيمه ولا ننظر بواقعية إلى ما قد تتسبب فيه الأمطار من كوارث يتضرر منها الكثيرون. ولأن الأضرار هذه المرة كبيرة ويصعب استيعابها واستيعاب المبررات -وإن كان بعضها منطقياً- لذا أمر رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة وزارتي الأشغال والبلديات والإسكان برفع تقرير شامل خلال ثلاثة أيام «يتضمن الأسباب المؤدية لحدوث ما شهدته بعض مناطق البحرين جراء الأمطار، والإجراءات التصحيحية الواجب اتخاذها لتلافي حدوثها مستقبلاً». الجزء المنطقي في موضوع الأمطار وما ينتج عنها هو قرار الحكومة عدم تخصيص مبلغ ضخم للصرف على مشروع لا تستفيد منه المملكة إلا قليلاً، بل إن البعض يقول إن مثل هذا المشروع يكلف أكثر مما تكلفه الأضرار الناتجة عن الأمطار في عشرين سنة، والجزء غير المنطقي هو اعتبار هذا القرار دعوة للسكون وعدم اتخاذ الوزارات المعنية أي احتياطات للتقليل من آثار الأمطار لو أتت بسخاء كما حدث هذه المرة، ذلك أنه من غير المعقول أن يحدث كل هذا في بلاد متطورة كالبحرين، كما أنه من غير المنطقي أن تنتظر الجهات ذات العلاقة قدوم المطر لتستعد له! وبالتأكيد فإن الأفضل للوزارات المعنية بدل تبادل الاتهامات وتحميل كل واحدة منها الأخرى مسؤولية التقصير، الاجتماع صيفاً كي لا تحدث مثل هذه الأمور شتاء.