اليوم في ظل ضياع البوصلة الإدارية الصحيحة في كثير من القطاعات، حينما تريد أن تدعو لموظف قل له «الله ينعم عليك بمسؤول حريص»، أما إن أردت أن تدعو عليه فقل له «الله يبتليك بمسؤول نحيس»!الأول قد يجعل حياتك المهنية راقية، ويمنحك كل الدعم والمؤازرة ليفجر طاقاتك وينمي لديك حس المسؤولية، فهو «حريص» في عمله، مجتهد في تحمل الأمانة التي أوكلت إليه. «الحرص» على تحقيق الأهداف، وعلى العمل الجاد المتواصل خدمة للبلد وتطويراً للقطاع، وإثبات تحمل المسؤولية، كلها من سمات المسؤول الناجح. وبالأمس وجدنا مثالاً جميلاً لـ»الحرص» على العمل وتحمل المسؤولية تجاه الناس ضربه لنا سمو رئيس الوزراء أنعم الله عليه بلباس الصحة، حينما خرج من المستشفى منهياً فحوصاته الصحية بنجاح وذهب فوراً ليترأس جلسة مجلس الوزراء قائلاً إن خدمة الناس هي محركه الأول. مثال يضربه نموذج الإداري الحريص المجتهد الأمير خليفة بن سلمان. مثل هذا الحرص هو ما نريد أن نراه في الوزراء والوكلاء والمسؤولين، خدمة الناس ومتابعة أمور قطاعاتهم لا يجب أن تستخدم فقط في التصريحات أو تكون شعارات تعلن هكذا دون إلحاق بفعل يحققها ويحولها لواقع. الإنجاز والوصول للغايات هي من سمات المسؤول «الحريص» على النجاح وخدمة الوطن والمواطنين. أما المسؤول «النحيس»، فهو أكبر الابتلاءات التي ابتلينا بها اليوم في ممارساتنا الإدارية، سواء أكان وزيراً أو ورئيس هيئة أو كيلاً أو مديراً أو حتى رئيس قسم، فإن ممارساته الإدارية الخاطئة مع موظفيه من ناحية إنسانية وحتى عملية قد تسهم في «تحطيم» المكان، وتفرض ضياع البوصلة في القطاع، وتفضي للفشل في النهاية. كثير من موظفي الدولة يشكون من النوع الثاني، كثير منهم لديهم أدلة على وجود هذه النوعية من المسؤولين، وأن هذا المسؤول «النحيس» في العمل، لديه تخبط إداري واضح، لديه عنصرية تجاه أفراد، لديه انحياز تجاه آخرين، يوزع الترقيات والحوافز على مزاجه ويخلق لها ألف مبرر لو أراد، في المقابل «يعطل» ترقيات الناس الذين لا «يمشون على عوقه» كما نقول بالبحريني، يصنع أمامهم المطبات، يحاول كسرهم، يحاول تحطيم طموحهم، والأخطر أنه بـ»نحاسته» هذه يضيع معه القطاع، ويصبح الحل الوحيد لإنقاذه هو بإزالة هذا المسؤول «النحيس» من مكانه وإجلاسه هو و»نحاسته» في المنزل. ما المشكلة لو «حرص» المسؤولون على إدارة قطاعاتهم بحرفية وبأسلوب إداري احترافي؟! يا جماعة علم الإدارة جزء كبير منه يدرس ويتعلم منه الشخص من خلال تطبيق النظريات بالممارسة، هناك بعض القياديين لديهم «الكاريزما» والخواص «الجينية» التي تحولهم لقادة بالفطرة، لكن مع ذلك يحتاجون لممارسات مؤسسة بشكل علمي لصقل مهاراتهم وتطوير ممارساتهم، فما بالكم بمن لا يملك الخواص الجينية والصفات الشخصية، وفوق ذلك لا يريد أن يتعلم ويطبق مفاهيم الإدارة الصحيحة؟! هذا «نحيس» بامتياز. الدولة عليها مسؤولية صناعة مسؤولين «حريصين» على النجاح، و»حريصين» على بناء وتطوير البشر ومعاملتهم بالعدل والإنصاف، و»حريصين» على تطبيق الإدارة بصورتها الصحيحة، وذلك حتى نحقق الأهداف التي نصبو لها في إطار المصلحة العامة. والأهم أيضاً، على الدولة أن تبعد كل مسؤول «نحيس» أضر القطاع وأضر معه البشر وظلمهم ودمر كفاءات وطاقات، وحطم طموحات، وأسهم بذلك في تعطيل منظومة العمل والإضرار بسمعة الدولة. لمن يرأسه مسؤول «حريص» عليه أن يحمد الله، لأنه لو سأل من ابتلاهم الله بالنوع الثاني، فسيقف شعر رأسه من هول «الجرائم» التي ترتكب في الناس والقطاع المعني باسم «المنصب». «الله لا يبليكم بمسؤول «نحيس»».
Opinion
المسؤول «الحريص».. والمسؤول «النحيس»!
01 ديسمبر 2015