غالباً ما تقول التنظيرات إن العرب بحاجة كبيرة للدول الغربية، حيث التكنولوجيا والقوة السياسية والتأثير الإعلامي والمستلزمات الاستهلاكية الأخرى. ولكن إلى أي مدى هذا الطرح صحيح إذا ما طبقناه على قضية الإرهاب؟لن ندخل هنا في مسألة من الذي أثار الإرهاب في الشرق الأوسط، بل سنحاول التركيز على احتياجات أوروبا من العرب، واحتياجات العرب من أوروبا.في السابق وإلى وقت قريب كانت دول القارة العجوز ترى في الدول العربية سوقاً استهلاكية واسعة، وفي دول الخليج العربي سوقاً ضخمة لمصادر الطاقة، وبالتالي الاهتمام هنا يتركز بضرورة حماية هذه الدول ومحاولة مد النفوذ إليها من أجل بيع البضائع بمختلف أنواعها من المواد الغذائية وحتى الصواريخ الحربية. وهذه النظرة قد تكون مستمرة، ولكنها تبدلت قليلاً بعد أن انتشرت الفوضى الخلاقة في المنطقة نتيجة للسياسات الأمريكية المتخبطة والسياسات الأوروبية التابعة لها. طبقاً لرؤية واشنطن فإنها ترى استفادة كبيرة من انخفاض أسعار النفط، واستفادة كبيرة أيضاً من انتشار الفوضى حيث يزداد الطلب على الصناعات العسكرية ويساهم في معالجة الأزمة الاقتصادية الداخلية في الولايات المتحدة. أوروبا لم تختلف كثيراً عن واشنطن بل حاولت الاستفادة بنفس القدر، ولكن المفاجأة لم تكن متوقعة كثيراً. فبقدر إشعال الفوضى في الشرق الأوسط تزداد المخاطر أوروبياً قبل أن تزداد أمريكياً بحكم الجغرافيا السياسية. وبالتالي فإن التقدير الأوروبي للأوضاع في المنطقة فاشل بدرجة كبيرة، ولذلك اكتوت القارة العجوز الآن بالإرهاب وبموجة هجرة ضخمة من غير المعروف نهايتها أو مستقبلها. وهنا تبرز حاجة الأوروبيين للعرب، إذ لا يمكن إيقاف موجة الإرهاب والهجرة بمعزل عن السعي لإيجاد مخارج لأزمات الشرق الأوسط المشتعلة، ومحاولة إنهاء الفوضى بعد أن باتت مستقرة. وتجاهل أصل المشكلة سيزيدها تعقيداً وسيزيد أمدها أكثر. أما العرب فإنهم بحاجة للأوروبيين ليس لشراء السلاح، أو الحصول على المساعدات الإنسانية، بل هم بحاجة لجهود حقيقية من أوروبا لوقف تداعيات السياسات الأمريكية التي قادت المنطقة إلى هذه الفوضى المستقرة، واستمرار السياسات الأوروبية على نهج السياسات الأمريكية لن يحقق هذا الهدف نهائياً. العرب بحاجة لأوروبا، ولكن الأوروبيين بحاجة أكثر للعرب، فالتراجع عن أي دور لمعالجة أزمات الشرق الأوسط سينتهي الحال إلى أن تكون القارة العجوز محاطة بشريط جغرافي ملتهب من الفوضى والإرهاب والتطرف.
Opinion
مسرحية الشرق الأوسط.. أوروبا والعرب من يحتاج للآخر؟
02 ديسمبر 2015