الاقتراح بقانون تعديل قانون الجمعيات السياسية الذي يناقشه مجلس الشورى اليوم ويرمي إلى منع استغلال المنبر الديني من قبل البعض للترويج للأفكار السياسية أو التنظيم السياسي المنتمي إليه، اقتراح المعني به هي الجمعيات السياسية الدينية وليس غيرها وخصوصاً جمعية «الوفاق» التي يخلط المنتمون إليها بين العملين، فلا يوجد خطباء ينتمون إلى الجمعيات ذات الطابع اليساري كالتقدمي والوحدوي والعمل الوطني الديمقراطي «وعد»، يعتلون المنبر الديني، وإن صارت هذه الجمعيات أو بعضها وللأسف الشديد في جيب الدينيين وصارت عملياً تتبع «الوفاق» وتأتمر بأمرها.الاقتراح ينبه إلى واحد من أسباب تعقد المشكلة التي يعيشها الوطن ويؤكد أن اعتلاء السياسي للمنبر الديني يعبر عن وضع غير طبيعي وغير مقبول، حيث من الطبيعي أن يحاول هذا السياسي استغلال المنبر للترويج للأفكار التي يؤمن بها ولأفكار ومواقف الجمعية السياسية التي ينتمي إليها وإلا يكون قد قصر في حقها ولم يؤدِ الدور المتوقع منه.ودونما شك فإن عملية الفصل بين الدورين أو المهمتين صعبة جداً وتكاد تكون مستحيلة، ذلك أن من طبيعة البشر أن يدافعوا عن أفكارهم ومواقف الجهات التي ينتمون إليها، وبما أن المنبر الديني يتيح لمن يصعده ممارسة عملية الإرسال من جهة واحدة فقط ولا يتيح للمستقبل فرصة المناقشة والرد في التو والحال لذا فإن الفرصة تكون مواتية للترويج لكل ما يريد صاعد المنبر ترويجه ولتوصيل كل الرسائل التي يريد إيصالها، ولولا هذا لما سنت القوانين التي يراد منها ضبط المنبر الديني الذي من الأساس لا علاقة له بالسياسة، أو هكذا يفترض.الوزارة المعنية بهذا الأمر وهي وزارة العدل والشؤون الإسلامية أكدت وجود مشكلة فعلية على أرض الواقع ناتجة عن الجمع بين المنبر الديني والعمل السياسي، ونبهت إلى أن القانون الحالي لا ينظم العلاقة بين المنابر الدينية والعمل السياسي، أي أن إمكانية استغلال السياسيين للمنبر الديني متاحة ويستفيد منها بعض من يعتلي هذه المنابر من المنتمين إلى الجمعيات السياسية.بالتأكيد لا يدخل مثل هذا التعديل في باب الحد من الحريات ولكنه – كما بينت لجنة الشؤون التشريعية بمجلس الشورى – يسعى إلى تنظيم الخطابة الدينية وفق قواعد وإجراءات محددة ومنظمة تقتضيها المصلحة العامة. إذن التعديل المقترح ونصه «ألا يجمع العضو بين الانتماء للجمعية واعتلاء المنبر الديني أو الاشتغال بالوعظ والإرشاد ولو بدون أجر» تعديل مهم وفي إقراره مصلحة عامة.الخلط بين العمل السياسي والإرشاد الديني سبب من أسباب تعقد المشكلة التي صار الجميع يعاني منها بل سبب أساس، ويكفي معرفة أن كل حل يتم التوافق عليه من قبل الأطراف ذات العلاقة يمكن أن ينسف بعبارات قليلة يقولها من لا يوافق على ذلك الحل من فوق المنبر الديني الذي يتيح له فرصة الترويج لرأيه وموقفه بل وفرضه على المتلقين، أو على الأقل التسبب في انقسامهم وإفشال الحل.النقطة التي ينبغي أن يأخذها مقدمو الاقتراح في الاعتبار هي أن المنبر الديني اليوم لا يتوفر في دور العبادة على اختلافها فقط ولكنه متوفر عبر كل الوسائل التي تتيحها التكنولوجيا التي تتطور بشكل مذهل، فما قد يمنع القانون من الترويج له عبر دور العبادة يمكن الترويج له عبر المنابر الأخرى، وهذا إشكال مهم ينبغي الانتباه إليه ومعالجته جيداً، كما أن هذا الدور يمكن أن يمارسه ببساطة أولئك الذين اختاروا البقاء في الخارج لو وجدوا أن دور المكلفين به في الداخل قد تعطل بسبب هذا القانون أو ذاك، دون أن يعني هذا التوقف عن مناقشة الاقتراح والتعاون على إقراره ففيه خير للوطن وسيسد خانة وإن كانت صغيرة.