لا أدري من أين ابدأ، وكيف لي السبيل بإيصال معاناة وأنين المستضعفين، وتضرع ودموع الأيتام، وغصة الأرامل والثكالى والعاجزين، وقصص البؤس لملايين البشر من بني جلدتنا، ممن تقطعت بهم السبل، وشاحت عنهم الوجوه، وسلمتهم الأقدار لمصير مشؤوم وهلاك محتوم!!إنهم النازحون والمشردون الذين قدر الله لهم ثم حظهم العاثر أن يولدوا ويستوطنوا على أرض الابتلاءات والصراعات، ليتحملوا وزر احتدام الطغاة، وتطاحن مختلف الحضارات والأجندات وتوظيف اختلاف المذاهب والديانات من قبل دعاة الفتنة والضلال، لتتحول تلك البقاع المخضرة إلى محرقة جماعية وأرض مقفرة، نجا منها بأعجوبة أولئك المضطهدون الذين ليس لهم في تلك اللعبة الحقيرة ناقة ولا جمل، وفروا هائمين على وجوههم صوب المجهول، تاركين وراءهم ديارهم وأموالهم، فأصبحوا بعد عزة أذلاء، وبعد غنى فقراء، وبعد علم جهلاء، وبعد قوة مفككين ضعفاء!!لم تشهد البشرية مأساة بعد الحروب العالمية مثلما تشهده اليوم من معاناة النازحين وضياع المشردين، حيث تعمد المجتمع الدولي التعامل معها بقسوة، وهي آخذة بالاتساع وغدت تشكل خطراً قد تنزلق سريعاً إلى كارثة إنسانية ومقابر جماعية. والتعمد الواضح في عدم التعاطي معها معروف الأسباب، فالدول الكبرى قد وضعت في حسبانها أن شعوب هذه المنطقة ليس لهم من الأهمية ولا يوجد من يطالب بحقوقهم ويحرك دعاواهم عند انتهاكها، وقد أمنت جانب الحكومات والجماعات المتسلطة على رقابهم كونها لا تأبه أساساً بمعاناتهم بل هي شريكة لتلك الدول في إجرامهم. ومن المعلوم سادتي أن جل النازحين والمشردين يتمركزون اليوم في بلاد العرب والمسلمين وحصراً في أرض العراق والشام، فضلاً عن ملايين أخرى مازالت رازحة تحت رحمة المجاميع الإرهابية، وكما هو اليوم حاصل في الأنبار والموصل ودرعا وحلب وغيرها من المدن المنسية. فالمشردون وأهل الخيام يفتك بهم الجوع والمرض وقسوة المناخ ويتخطفهم الموت من كل مكان، والذين أسروا داخل مدنهم وديارهم هم مرعوبون حائرون خائرون، لا يعلمون متى سيقع عليهم السيف فتحز كالخراف رقابهم أو تنقض عليهم طائرات وقذائف التحالف لتحصد شيبهم وشبابهم، وقد أحالت مدنهم إلى خراب، ولم تعد تصلح للسكن والعيش الكريم، وهي اليوم ساحة للاقتتال والاحتراب. أصبحت معاناة أولئك البؤساء مغيبة عنا ومن الأمور المنسية، ولا تكاد تسمع عنها إلا عند حلول فصل الشتاء، بعد أن تزهق تجمداً أرواح عشرات الأطفال والمرضى والنساء لتنقل لنا الفضائيات ووكالات الأنباء طفلاً قد تيبس برداً، أو عجوزاً قد قضت مرضاً، أو جوعاً فتتحرك بعض المنظمات على خجل ووجل لإرسال الأغطية والمعونات والغذاء، وبعد الإجراءات الأمنية والتحريات الاستخبارية واستحصال الموافقات الحكومية بحجة أن تلك المناطق تعج بالإرهابيين والميليشيات يكون أولئك المساكين قد ضاعوا وقضوا نحبهم وفاضت إلى الباري مسرعة أرواحهم!! أين دور الدول المانحة من تلك الكارثة الإنسانية التي صنعها الطغاة؟! أين دور المنظمات الإسلامية؟! أين دور جامعة الدول العربية؟! أين دور الأزهر الشريف ومشايخه من العلماء والفقهاء؟! أين تذهب أموال الزكاة والخمس وصدقات الأغنياء؟! أين دور منظمة الإغاثة العالمية وشؤون اللاجئين والنازحين والفقراء؟! أين صندوق المانحين وسخاء الملوك والأمراء؟!لا نرى منها شيئاً يسد رمق أولئك البائسين المعدمين سوى خيمهم المهلهلة، وأغطيتهم المبللة، والنزر اليسير من الطعام المنتهي الصلاحية، والدواء الذي لا يبرئ الأسقام. ويا للأسف، فهل يعلم المانحون والمحسنون أن أغلب تلك الأموال وعلى شحتها تقع بيد السراق والمتنفذين، وهم يعملون تحت يافطات إنسانية عريضة. ولا نعمم حتى لا نظلم فهنالك المخلصون المتعففون عن أموال المساكين، لكنهم ندرة كندرة اللؤلؤ في قاع البحر الميت. إن المجتمع الدولي وبالذات الغربي هو من كان سبباً في خلق هذه الأزمات، وهو بالتأكيد لا يبالي اليوم في حلها والتخفيف منها، فبات لزاماً وواجباً شرعياً وأخلاقياً التحرك السريع من قادة الدول العربية والإسلامية بالشروع بوضع الحلول الفورية لاحتوائها والحد من آثارها قبل تفاقمها وخروجها عن السيطرة مثل الكثير من الأزمات والاختراقات التي تقاعسنا عنها وأصبح من المستحيل اليوم الانفكاك منها. ومن تلك الحلول إنشاء صندوق إسلامي لإغاثة النازحين خاص بأهل الشام والعراق تتعهد به وتشرف عليه المملكة العربية السعودية، وهي اليوم، وملكها خادم الحرمين الشريفين، حماه الله، جديرة بذلك، وأهل لها ومحل ثقة واحترام من جميع الأطراف، والسعودية بالقيادة الحكيمة لخادم الحرمين وسياسته الرحيمة، يتطلع الجميع، أن تتعامل مع هذا الملف ببعد إنساني بحت، كما عهدناها وعهدنا سياستها، دائماً تكون بعيدة عن المذهبية أو المناطقية، لأنها على دراية تامة أن من اكتوى بنار الإرهاب جميع شعوب المنطقة بلا استثناء، لتكون سباقة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.ونؤكد على ضرورة الكف عن وضع تلك الأموال بيد بعض الهيئات ومنظمات الإغاثة العالمية التي ثبت بالملموس عدم حيادية ونزاهة أغلبها، وتعاملها المبطن مع الحكومات والأفراد المشبوهين الذين امتلئت بطونهم وحساباتهم من سرقة لقيمات الجياع . فلا يكفي ولا يعفي من المسؤولية أن تدفع الدول والجمعيات الأموال بل يتوجب عليها التحري عنها، والتأكد من وصولها لمستحقيها فهي للأسف تأخذ طريقها لجيوب السراق قبل الدخول إلى خيم ومخيمات الشام والعراق وتترك المبتلى يقاسي الجوع والموت والفراق.
Opinion
ملف المشردين والنازحين.. تحت أنظار خادم الحرمين الشريفين
07 ديسمبر 2015