أن تتخذ موقفاً من الآخر -أياً كان هذا الآخر وأياً كان السبب- فهذا أمر طبيعي وحق يمكن لكل فرد أن يمارسه، وهو نابع من الاختلاف الذي هو الآخر حق وأمر طبيعي بل ومطلوب، غير الطبيعي هو أن تلغي هذا الآخر وتعتبر أنه غير موجود من الأساس أو أنه لا قيمة له، وهذا ما ينبغي الابتعاد عنه ونحن نعيش دوائر الاختلاف التي تفرضها المشكلة التي صرنا فيها ونبحث لها عن مخرج. وبالمقدار الذي يتسبب فيه أسلوب إلغاء الآخر في تعقيد المشكلة يتسبب أسلوب ممارسة حق الاختلاف واتخاذ المواقف من دون التجاوز وإلغاء الآخر في إيجاد الأرضية التي يمكن الاستفادة منها في تقريب وجهات النظر والانطلاق نحو الحل.منطقاً لا يمكن أن تتفاعل مع الآخر الذي ألغيته لأنه سيكون -بناء على قرارك- غير موجود، فكيف تتعامل وتتفاعل وتتفق على نهاية ترضيك مع شخص أو طرف غير موجود؟ إلغاء الآخر ربما يوفر إحساساً بالراحة النفسية يحتاجه بعضنا في هذه الفترة لكنه لا يوصل إلى مفيد بل على العكس يزيد من اتساع الفجوة بيننا. الفعل المعاكس لهذا هو المفيد وهو محاولة الاقتراب من بعضنا البعض والاعتراف ببعضنا البعض والاستفادة معاً من المساحات المشتركة فيما بيننا لتقريب وجهات النظر والانطلاق معاً نحو الحل المنشود.اتخاذي موقفاً من الآخر لا يغير من الوضع الذي هو فيه ولا يقلل من شأنه أو شأني، إلغاء الآخر هو الذي يفعل كل ذلك وهو الذي يضر بنا ويزيد مشكلتنا تعقيداً. اليوم جميعنا يسعى إلى التوصل إلى حل يرضي كل الأطراف ذات العلاقة ولتعود الحياة إلى ما كانت عليه، هذا السعي لا يمكن أن يكلل بالنجاح لو عمد كل منا إلى إلغاء الآخر واعتبره غير موجود. هذه حقيقة مهم أن نتفق عليها ونعتمدها وننطلق منها لأنها هي الطريق المفضي إلى النهاية السعيدة وهي الأسلوب الذي يعيننا على ذلك.هناك أمر آخر ينبغي أن ننتبه له، هو أن أسلوب إلغاء الآخر لا يليق بشعب البحرين المتعلم المثقف والمتحضر والذي يعتبره الآخرون نموذجاً ومثالاً، ما يليق بهذا الشعب هو تحويل السالب من الأمور إلى إيجابي يستفيد منه الوطن، وما يليق بهذا الشعب هو العمل على تقليل الفترة الزمنية التي تستغرقها مثل هذه المشكلات، وما يليق به هو الاستفادة من المناسبات الوطنية كالتي نعيشها هذه الأيام لتقوية الجبهة الداخلية التي تعين على مواجهة الظروف والمتغيرات والتطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة وتتسبب في كثير من الأذى للجميع إن بقيت الجبهة الداخلية ضعيفة يلغي أفرادها بعضهم بعضاً.اليوم جميعنا يعرف الداء، وجميعنا يعرف الدواء، ويعرف الطريق إليه، وليس لنا إلا أن نستعمله كي نتخلص من الداء الذي ابتلينا به، وهو دونما شك لا يكون بإلغاء بعضنا البعض والنظر إلى بعضنا البعض بطريقة نعرف مسبقاً أنها لا تفضي إلى شيء.الآخر الذي ألغيه هو أنا ولكن في صورة أخرى، وهو يكملني وأكمله، ومن دونه لا يمكن أن أصل إلى شيء مثلما أن من دوني لا يمكنه أن يصل إلى شيء. نعم هناك من يبالغ، وهناك من أخطأ ويخطئ، وهناك من أساء ويسيء لنفسه وللوطن، لكن كل هذا لا يستوجب إلغاءه وإن استوجب اتخاذ موقف منه، حيث اتخاذ الموقف يمكن أن يعيده إلى صوابه لأنه من الطبيعي أن يدفعه إلى التساؤل ومحاولة إعادة الفهم، بينما إلغاؤه يعني قطع الطريق عليه فلا يجد ما يعينه على العودة إلى الصواب.إلغاء بعضنا البعض يضر بالوطن ويزيد من أمد المشكلة.
Opinion
حق إلغاء الآخر
07 ديسمبر 2015