بغض النظر عن التباينات العديدة في الآراء والتي تحتاج لوقفة إيضاح، إلا أننا نعلن تأييدنا التام للقانون الذي ينظره البرلمان بشقيه فيما يتعلق باستغلال المنابر الدينية سياسياً. البحرين قد تكون أكثر دولة في الخليج تضرراً من هذا «الخلط المتعمد» بين الموقع الديني والسياسي، واستغلال السياسيين المنشغلين بالسياسة للمنبر الديني وحرف اتجاهه، ليتحول بالتالي لمصدر تحريض وتأزيم ونشر للطائفية وحض على الكراهية والعداء للآخر وللدولة. أدخل المسجد يوم الجمعة لأداء الفريضة وقبلها لسماع خطيب مستنير دينياً يوضح لي عديداً من المسائل المعنية بأمور ديني، أستوعب منه خبايا بعض الأمور التي فيها من الموعظة الحسنة وشرح أمور الدنيا في إطار ديني ينظم حياة الفرد ويدفع بها باتجاه المواطنة الحقة، لا لأستمع لسياسي لديه أهداف يريد أن يصوب باتجاهها صواريخه وأسهمه التي تخدم أجنداته باسم الدين. إيران ضاعت بسبب تداخل السياسة بالدين، بل المنبر الديني هناك محيَ تماماً وحل محله المنبر السياسي الذي يتحدث معتليه عن السياسة في أغلب كلامه، ويورد من الدين الشيء اليسير، والذي لا يغير فيمن يستمع لأنه شحن سياسياً حتى النخاع. ونفس الحال في العراق يحصل، والبحرين أريد لها طوال عقود أن تتحول إلى منابر دينية لمراكز قيادة سياسية والأمثلة كثيرة. ديننا الإسلامي راق بتعاليمه، لكننا نحن بممارساتنا نسيء لهذا الدين. رسولنا صلوات الله عليه كان مثالاً للإنسان الصادق رفيع الأخلاق المثالي في أفعاله، كان أنموذجاً لنا، الشرف بالاحتذاء به، لكن في واقعنا الحالي كم من رجل دين يحاول أن يكون صورة من الرسول في أقواله وأفعاله؟! نادرون جداً، بل يكادون ينقرضون، لأن هناك من حل محلهم، والمصيبة حين يحل محلهم صاحب الأجندة السياسية، وصاحب النزعة الطائفية، ومن هدفه تقسيم البلد لكانتونات وتجمعات إثنية مذهبية. لا أريد رجل دين يعتلي منبر الرسول ليحدثني في السياسة، هذا ليس عمله، أقلها حدثني عن الدين الذي يحارب في تعاليمه كل التداعيات السيئة للسياسة. لا أريد رجل دين يحرضني على بلادي ونظامي فقط لأنه لا يستقيم مع توجهاته وأجندته. لا أريد سياسياً متدثراً بـ»بشت» رجل دين أو «عمامته». حتى ديننا أقحمتم سياستكم البغيضة فيه. وعليه فإن هذا القانون يجب أن يطبق، اتركوا مساجد الله لتكون لعباد الله يتعلمون فيها تعاليم الله، ولا تدخلوا فيها هذه الأمور التي وراءها أهداف بشرية وأجندات خاصة. مللنا بالفعل، وتعبت البلد من «تجار الدين» هؤلاء. أما أصحاب الآراء المضادة للقانون، فيمكن بسهولة تقسيمهم وتصنيفهم، فهناك من يعارض بشدة لأن المنبر أصبح «وسيلة» لممارسة لعبته السياسية، وهناك من يعارض لأنه يرى الأمر فيه تقييد وجمع لجميع الأصناف السيئ والطيب. هنا سنقول إن التعميم ظالم، فهناك من يمارس دوره الصحيح وله الثناء، وهناك من انحرف وبتعمد، وهؤلاء الدولة مطالبة عبر أجهزتها المعنية باتخاذ إجراءات القانون معهم، إذ وصلت الأمور حتى للتحريض على الدولة والدعوة لاستهداف رجال الأمن. ولأن الشر الذي طال البلد من وراء «تجار الدين» هؤلاء لا يمكن أن يسكت عنه أو يبرر له، والأهم لا يمكن القبول باستمراره وتكراره، فإن القانون لابد أن يطبق على الجميع، فمن سار على الطريق الصحيح لا خوف عليه، وعليه ألا يقلق، أما صاحب الأجندة فسنسمع صراخه وعويله. احترموا منبر الرسول، فالبعض استغله ببشاعة لغسل أدمغة البشر، والبعض استغله لضرب آخرين، ومنهم من بممارساتهم جعلوا الناس تنفر من بيوت الله. احترموا ديننا الذي تم تشويهه من قبل هؤلاء.
Opinion
لا نريد «سياسياً» يعتلي المنبر «الديني»!
08 ديسمبر 2015