«تركيا لم تعد ذلك البلد الذي تصدر عنه ردود فعل إزاء الأزمات، وإنما يتابعها قبل ظهورها ويتدخل فيها بفاعلية ويعطي شكلاً لنظام المنطقة المحيطة به»، كانت هذه كلمات قالها أحمد داود أوغلو قبل سنوات عندما أصبح وزيراً لخارجية تركيا، تظهر جلية اليوم في سياسة تركيا الخارجية مفسرة تحركاتها التي كان آخرها صوب العراق.قبل أربعة أيام قال المتحدث باسم قوات تحرير الموصل محمود السورجي، إن «ثلاثة أفواج من القوات التركية مزودة بأسلحة ثقيلة وصلت إلى معسكر الزلكان في أطراف مدينة الموصل شمال العراق»، مؤكداً أن «هذه القوة تتهيأ للمشاركة ضمن قوات التحالف الدولي في تحرير الموصل من سيطرة «داعش»»، وهو أمر أثار حفيظة إيران وذيولها في العراق، واعتبروه أمراً مخلاً في السيادة، وهم يقصدون سيادة إيران بالتأكيد، أما العبادي فقد خرج بعد يومين من إعلان الخبر ممتعضاً قائلاً «تأكد لنا دخول قوات تركية إلى العراق»، ويبدو أنه علم ذلك بعدما أخذ جولة في حسابه الشخصي على «فيس بوك» ليرى صور «السيلفي» للجنود الأتراك في المعسكر، المهم معرفة ما وراء الخطوة التركية، ولفهم هذا الموضوع لا بد من العودة إلى الوراء أياماً قليلة لقراءة بعض الأحداث.أول هذه الأحداث هو ضرب الطيران الروسي ولأول مرة أهدافاً في الموصل، وهذا الأمر لاقى ترحيباً إيرانياً، والسبب أن إيران لا تملك نشاطاً جوياً في الموصل يمكن أن يكون غطاء لميليشياتها إذا ما أرادت دخول الموصل وقد تأمل أن يكون هذا الطيران غطاءً جوياً لميليشياتها، أما الحدث الثاني، فكان زيارة مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان إلى دول الخليج العربي وأولها المملكة العربية السعودية التي حصل فيها على استقبال ملكي، تزامنت هذه الزيارة مع تسريبات عن قوات عربية برية تدخل العراق، وأخيراً الحدث الثالث المتمثل بموجة بشرية تبلغ قرابة 500 ألف شخص اجتاحوا الحدود باتجاه العراق ودخلوا عنوة بعد ضربهم أفراد ما يسمى بالجيش العراقي وتمزيقهم علم العراق ورفعهم علم إيران محله، وانتشار هؤلاء في كربلاء، وورود تقارير تشير إلى وجود 150 ألف أفغاني بين هؤلاء الغوغاء الذين أدخلتهم إيران لتستخدمهم في أعمال مختلفة قد يكون أبرزها المشاركة في القتال.الأحداث القادمة ليست مجرد عملية طرد «داعش» وإبعاده عن الموصل بقدر ما هي عملية إعادة تشكيل للنظام، ولا يمكن لتركيا أن تنتظر تشكيل النظام المحيط بها ليفرض عليها بعد ذلك، بالتأكيد تركيا لا تريد لكردستان أن تكون دولة مستقلة، لكنها تريد المحافظة على وضع مستقل ومستقر للإقليم الذي تربطها به مصالح اقتصادية مهمة، وحتى لو أصبح الإقليم دولة في يوم من الأيام، تريد أن يكون لها نفوذ فيها، أما بالنسبة للتدخل الروسي في الموصل فوجود قوات تركية يحد منه، وبالتالي إيران لن تتمكن من الدخول بميليشياتها إلى هناك، لذا تركيا دخلت سباق تشكيل النظام القائم على أنقاض العراق بشكل مباشر.
Opinion
تركيا وسباق تشكيل النظام المحيط بها
08 ديسمبر 2015