ينحرف أداء أي قطاع حينما ينحرف الهدف الرئيس لدى من يقود هذا القطاع بغض النظر عن مسماه، سواء أكان وزيراً أو رئيس هيئة أو مديراً عاماً، وحتى لو كان مديراً على إدارة. انحراف الهدف يحصل لأسباب فردية، والخطير حين يحصل لدى من يملك صناعة القرار في المكان، وفي مجتمع كمجتمعنا نعجز فيه بسهولة عن تقويم الأخطاء لدى المسؤول، أو حتى مصارحته ومكاشفته، فإن ضرر أداء وقرارات شخص واحد يمكن أن تقود قطاعاً للانحدار في الإنتاجية ويمكن أن تحطم كفاءات بل تعدمها. مشكلة من ينحرف لديه الهدف عن هدف خدمة المجتمع وأهله وهو المفترض أن يكون هدف أي عمل، بأنه عادة يسند الأمور لغير أهلها، والأخطر أنه يبدأ بصورة مقصودة أو غير مقصودة والأخيرة يحركها «اللاوعي» بإنشاء «أتباع» أو «حاشية» بدلاً من أن يكون بانياً لـ «الكفاءات» باحثاً عن «الطاقات». ولأن هذه الممارسة تحصل في كثير من القطاعات، تجدون عدداً كبيراً من الموظفين يتحدثون عن الإجحاف والتمييز والتهميش، وقد يكون بعضهم يبالغ بخصوص وضعه، لكن هناك من تصدق بشأنه الحالة. المصيبة تحدث في القطاع حينما يعج بـ «الأتباع» ويطغى بعددهم على «الكفاءات»، بل يكون مصير عمل الكفاءات في يد هؤلاء الأتباع، هنا يغلب طابع «الفتوة» و»الشللية» واستغلال «القوة» و»النفوذ» على طابع الإنتاجية والديناميكية والإبداع في العمل. تذكروا هنا أنه لا فائدة من العضلات أبداً إن لم يتحكم بها الجهاز العصبي، والذي نرمز له بالعقل. أي دون عقل لا فائدة من العضلات، لكن بالعقل أصغر العضلات يمكنها أن تحدث الفارق. المسؤول الأول هو المحاسب عن مثل هذه الحالات إن حصلت، وإن تسببت في تأخر عمل القطاع، وأنتجت حالة تذمر لدى العاملين ومن بينهم الكفاءات، وإن هي ساهمت في خلق حاجز وعازل بين رأس الهرم وأصغر موظفيه. هنا على المسؤول أن يستوعب خطورة عمل «الأتباع» في أي قطاع، وأن يدرك الفارق بينهم وبين «الكفاءات»، فـ «التابع» لا تهمه مصلحة العمل بقدر ما تهمه مصلحته، وحظوته لدى المسؤول، والتي تترجم على شكل ترقيات وحوافز و»تنطيطات» في المسميات، لا يكون معيارها الكفاءة والإنتاجية، بل نسبة «الولاء والطاعة». يا مسؤول، «التابع» تراه يتملقك في كل صغيرة وكبيرة، توصيف «طويل العمر» لا يغيب عن لسانه، وكلمات الطاعة العمياء مثل «تامر» و»أمرك» تصدر بسرعة خارقة دون تفكير في التوجيه، وما إذا كان صائباً أو فيه شبهة خطأ. هو لا يهمه نصحك، بل يهمه «رضاك» عنه، حتى لو أدى ذلك لموافقته الفورية لقرار قد يكون الخطأ فيه فاضحاً وواضحاً. في المقابل «الكفاءات» لا تتملق، كونها واثقة بأن «سلم» صعودها مهنياً بالترقي وتبوء المراكز لا يكون إلا عبر إثبات جدارتها، وعبر صناعة الإنجازات، لا عبر حمل «البشوت» أو «إطراب» آذان المسؤول. الكفاءات تشور بالصواب وتحذر من الخطأ، ولا توافق المسؤول مباشرة على شيء يحرف أدائه وأداء القطاع عن تحقيق الهدف الرئيس من العمل. المشكلة بالتالي ليست في المتسلقين ممن يريدون التحول لـ «أتباع» لأي مسؤول أو وزير، فهؤلاء يدركون مستوى قدراتهم وأنها لن توصلهم لمكان إلا عبر «التلون» و»التملق» واتباع أسلوب «مدحه وخذ بشته». المشكلة تكون في المسؤول حين تستهويه المسألة، حين تستهويه حالة وجود «حاشية» تحيط به، حين من يتراكض أمام سيارته لفتح بابه، أو لحمل حقيبته أو بشته، أو من يثني على كل ما يقول حتى لو كان خطأ جسيماً. وهنا نتحدث عن نفس بشرية في تأصيلها تحب أن يتبعها الناس ويطيعوها، لكن «السمو» على هذه الحالة لا يأتي إلا من قبل مسؤولين فهموا علم الإدارة بشكله الصحيح، وأدركوا أن مثل هذه النوعيات لن تخدمهم، بل ضررها أكبر، لأنهم أصلاً يتحولون لـ «مصدات» و»سدود» تمنع عنه وصول الكفاءات، إن هو كمسؤول اعتمد عليهم كلية. أنت كمسؤول تظل المسؤول الأول عن إحاطة نفسك إما بـ «أتباع» أو «كفاءات». نتمنى من مسؤولينا أن يحرصوا على الكفاءات واحتضانها وتطويرها ومنحها الفرص، وأن يتجنبوا من ينافقهم ويتملقهم لأنهم في النهاية لا تهمهم إلا مصلحتهم، والدليل «تبديل الموجة» السريع لديهم حينما يتبدل المسؤول، إذ يبدؤون نفس السياسة مع المسؤول الذي يليه.